هي منطقة فريدة من نوعها في أسوان ومن النادر أن تكون في أي بلد في العالم, حيث تجمع مابين آثار ثلاثة حضارات مصرية قديمة وحديثة وكأنها كانت تبعث برسالة محبة وسلام للعالم كله منذ زمن طويل ولكن للأسف لم تلق الإهتمام الواجب من وزارة السياحة للترويج لها حتي الآن. ففي ساحرة الجنوب السمراء وفي قلب المدينة تتجمع الحضارات الفرعونية والنوبية والإسلامية في مثلث لا تتعدي مساحته نصف الكيلو متر, حيث يبدأ المثلث من علي ربوة غربية بطابية فتح التي كانت بمثابة مركز تدريب الجيش المصري في عهد محمد علي الذي أسس أول مدرسة حربية في مصر بأسوان بمنطقة الطابية ويمتد إلي المتحف النوبي بما يضم من مقتنيات ولوحات وأدوات وشواهد وتماثيل للآثار النوبية, إضافة إلي دلائل من عصر ما قبل التاريخ والعصر الحجري وعصر الأهرامات, وفي اتجاه الشرق تتوسط المنطقة الجبانة الفاطمية التي اكتشفتها عالمة الآثار المصرية الأسوانية الدكتورة سعاد ماهر داخلها شواهد مؤكدة للعديد من المقابر التي تحمل أسماء قادة الفتح الإسلامي لأسوان, أما في أقصي الشرق فتتبوأ المسلة الناقصة الفرعونية في ربوة عالية أخري. ولأنها منطقة يطلق عليها مثلث التسامح وملتقي الأديان انضمت لمقومات هذا المثلث مدافن الكومونولث التي تضم رفات جنود ومواطنين إنجليز من ضحايا الحرب العالمية الثانية ومدافن الأقباط التي لا يفصلها عن الجبانة الفاطمية الإسلامية سوي شارع واحد يتوسطه النصب التذكاري لشهداء معركة توشكي التي قادها عبد الرحمن النجومي ضد جيش الثورة المهدية في جنوبأسوان. وتعد هذه المنطقة شديدة الخصوصية وكنز سياحي لم يكتشف بعد, فهي وكما يقول عبد الناصر صابر نقيب المرشدين السياحيين السابق في أسوان بحاجة للترويج المناسب لها, ففي ظل سيطرة سياحة الشواطئ علي نسبة كبيرة من السياحة بشكل عام لابد وأن نبرز ما هو غير موجود في مناطق سياحية أخري بأسوان التي تعاني معاناة شديدة من تدني الإقبال علي نمط السياحة الثقافية. ويوضح نقيب المرشدين السياحيين السابق بأن تلاقي الحضارات في مثل هذا المثلث يؤكد أن مصر ومن زمن الفراعنة هي نموذج للمحبة والسلام لدرجة أن أرضها الطيبة تجمع موتي المسلمين والأقباط وحتي الإنجليز معا في منطقة واحدة وهو ما يجب أن يعيه العالم الذي يقف يدا واحدة ضد الإرهاب دون تفرقة بين جنس أودين أو لون, ويواصل شارحا ما يضمه المتحف النوبي الذي تأسس في عام1997 قائلا إن متحف النوبة الذي حصل علي جائزة آجمل متحف معماري في عام2001 لا يعد متحفا للآثار فقط وإنما يعد مركزا دراسيا وتوثيقيا للحضارات المصرية المتعددة ويكفي آنه يضم هيكلا عظميا لإنسان يصل عمره لنحو200 آلف عام عثر عليه بمنطقة راد كوباتية في أسوان وينتقل عبد الناصر صابر للحديث عن الجبانة الفاطمية الإسلامية شارحا بأن باحثا إيطاليا أثريا يدعي منيري ديفيلارد قد قام بالتنقيب داخلها في الفترة من عام1923 وحتي1927, حيث وصف القباب وتكلم عنها بشكل تفصيلي يؤكد أنها كانت تمتد علي مساحة كبيرة وتضم55 قبة منها31 قبة في الجبانة الحالية شرقا وغربا, ويقول أن أهل أسوان لايزالون يدفنون مواتهم بهذه الجبانة حتي يومنا هذا تبركا بما تضمه من مقابر لأولياء الله الصالحين. وجدد نقيب المرشدين السابق أمنياته بأن تولي الدولة وخاصة وزارتي الآثار والسياحة اهتماما آكبر بهذا المثلث ووضعه علي الخريطة السياحة التي وللآسف لا تروج إلا للمتحف النوبي والمسلة الناقصة فقط ويضيف صلاح ظافر الخبير السياحي بأسوان قائلا إن تغير النمط السياحي في أسوان آمر لابد منه إذا ما آردنا دعم السياحة الثقافية وإعادتها لمعدلاتها شبه الطبيعية, فلا شك إن مثل هذا التجمع الحضاري الذي لا يتوافر في مكان آخر من شأنه آن يعظم ويدعم هذا النمط وينتقد الخبير السياحي من الإهمال الدعائي لهذا المثلث, فمثلا مقابر الإنجليز تجسد فترة من الفترات المهمة في جنوب مصر وللآسف فهي لا تعدو كونها جبانة يشرف عليها غفير, كما يمثل النصب التذكاري لشهداء معركة توشكي وضريح القائد النجومي فترة مهمة آخري عندما تحرك القائد السوداني عبد الله التعايشي علي رأس جيش من آنصار الثورة المهدية قاصدا مصر في عام1885 للقضاء علي الإنجليز, فتكون جيش مصري إنجليزي مصري لملاقاته في توشكي جنوبأسوان عام1889 حيث سقط شهداء كثيرون آمر بنقل رفاتهم إلي أسوان الملك فاروق في عام1946 ليقام هذا النصب التذكاري المعروف حاليا بمقبرة النجومي. ويتناول المهندس أدهم دهب عضو مجلس إدارة غرفة العاديات السياحية الحديث عن المسلة الفرعونية الناقصة التي تقع شرق هذا المثلث, قائلا إنه يتمني أن ترتبط زيارة المسلة المتواجدة فعلا علي الخريطة السياحية بهذه المناطق التي لا تبعد عن بعضها البعض إلا مسافات قصيرة, وقال آن الربط ما بين الحضارات المختلفة في أسوان سيكون رسالة قوية للعالم تؤكد عظمة وجمال أسوان ملتقي جميع الأديان والحضارات, فلو فكرنا قليلا من الممكن آن تكون هذه المنطقة المتميزة من أقوي مناطق العالم جذبا للسائحين من مختلف دول العالم الشرقية والغربية.