كان الشيخ النقشبندي من أسرار سعادتي في السجن.. كان صوته ينفذ إلي قلبي مباشرة.. وكانت معاني كلماته تجعل شعر رأسي يقف ويقشعر جلدي بتأثير دفق كلماته الرائعة التي يغلفها صوته الذي لا أظن أن الزمان سيجود به. فالشيخ النقشبندي لم يكن مجرد صوت يصدح بذكر الله أو مدح الرسول ص بل كان حالة إيمانية راقية تنتقل من قلبه الصافي النقي المحب لرسول الله إلي القلوب التي تسمعه وتصغي إليه. كان النقشبندي حالة فريدة.. وكنت كلما حزنت أو ركبني الهم في السجن فأسمع بعضا من تواشيحه من إذاعة القرآن الكريم العريقة إلا وزال همي وحزني ووجدت نفسي تحلق في سماء النبوة العالي. ونحن الآن في ذكري مولد النبي تتجدد ذكراي مع الشيخ النقشبندي الذي ملك علي روحي ونفسي.. فكلما سمعته كنت أقول: هذا صوت من أهل السماء وليس من أهل الأرض لفرط قوته مع عذوبته وصفائه. كنت أشعر أنه يعيش بقلبه وجوارحه مع كل كلمة يصدح بها مادحا رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وعندما قرأت سيرته أدركت ذلك وتأكدت منه.. فأحيانا كان يتصدق علي الفقراء بكل ما حصل عليه في ليلته قبل أن يصل إلي بيته. فمحبة الرسول ص هي نعمة لا يزرعها الله في قلب أي أحد.. والتحدث باسم الرسول ص أو مدحه مدحا صحيحا لا يؤتيه الله إلا لأوليائه وأصفيائه.. فكم من أناس كتبوا أشعارا في مدح الرسول ولكن بردة البوصيري هي التي صارت العلامة الأولي في عالم مدحه.. ربما لشيء وقر في قلب البوصيري نفسه.. وكم من علماء شرحوا صحيح مسلم ولكن لم يبق في القلوب والنفوس سوي شرح النووي.. وكم من أناس مدحوا الرسول ص بأصواتهم ولكن لم يبق لأكثرهم ذكرا وفي المقابل كتب الله لصوت ومدح النقشبندي الخلود والبقاء عبر الأجيال.. بل إن الأذان الرائع للنقشبندي الذي يتداول الآن في كل الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي أداه قبل أن يموت بيوم واحد.. وكان مريضا جدا وينوي الاعتذار عن هذا التسجيل في الجمعة للتليفزيون ولكنه تحامل علي نفسه وأداه ليؤدي الله عنه ويبلغه عنه للدنيا كلها. إن الشيخ النقشبندي لم يتفوق بقوة صوته وحلاوته فحسب ولكن بشيء وقر في قلبه ألا وهو الإخلاص والحب الكبير لهذا النبي العظيم محمد صلي الله عليه وسلم.. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يتفوق علي أقرانه من الصحابة بكثرة صلاة أو صيام أو صدقة ولكن بشيء وقر في قلبه ألا وهو الإخلاص. إنك تكاد تنخلع من نفسك والدنيا كلها وتهتز خشوعا وطربا وتزداد إيمانا في الوقت نفسه حينما تسمعه وهو يصدح قائلا:- وافي ربيع فمرحبا بهلاله قد أقبل الإسعاد في إقباله شهر به سعد الزمان فحقه أن يزدهي شرفا علي أمثاله ما ازدانت الأعياد إلا أنها جمعت لزينتها بديع جماله لقد كان النقشبندي يختار كلمات أشعاره بدقة ولا ينشدها حتي يعيش فيها بقلبه ووجدانه.. وقد رزقه الله بشاعر عظيم يندر أن يجود الشعر الإسلامي والديني والوطني بمثله وهو الشاعر العبقري عبد الفتاح مصطفي. فالنقشبندي كان قارئا ذواقا للشعر والأدب والفنون كلها.. وكانت مكتبته العامرة زاخرة بكل فنون الكتب.. ولك أن تتأمل هذه الأبيات الرائعة وهو يصدح بها مادحا خاتم المرسلين: صلي الإله عليه نورا هاديا متعبدا في غاره لم يسأم هيمان تضرع للسماء دموعه في جيد مشتاق ووجد متيم يا رب إليك تشوقت روحي وحبك مستثار في دمي حتي أتي الروح الأمين يضمه ضما علي رهبوته المتبسم أقرأ نبي الله اقرأ وابتهل وبذكر ربك يا نبي ترنم اقرأ وربك ملهم سبحانه قد علم الإنسان ما لم يعلم والله ما سمع أحد النقشبندي إلا أحب رسول الله أو زاد في حبه أو تبتل في حبه أو هام به وأحب كذلك النقشبندي وتواشيحه وأدمنها. إنني أزعم أنني ظللت أستمع إلي النقشبندي من بداية شبابي وحتي اليوم وما سئمت من تكرار سماعه.. وأزعم أن مثل النقشبندي أوصل رسالة الرسول ص الإسلامية إلي الناس أكثر من عشرات الوعاظ والخطباء وأقوي من عشرات المؤسسات العلمية التي تتحدث عن الرسول ص أو تدافع عنه وأعظم من عدة جماعات وحركات إسلامية. وقد صدقت الشاعرة الرائعة عليه الجعار وهي ترثي الشيخ النقشبندي قائلة: هاجه الشوق ففاضت مقلتاه ثم غناه نشيدا فبكينا غاب صوت النقشبندي ولكن سوف يبقي خالدا ما غاب عنا والشيخ النقشبندي كان من كنوز مصر المدفونة ولولا أن الرئيس السادات رحمه الله أخرجه من النسيان إلي عالم الخلود والبقاء لتسعد بصوته ملايين الناس. لقد كان السادات ذواقا للفن عامة وللتواشيح خاصة.. وهو الذي جعل الإذاعة تهتم أكثر وأكثر بالنقشبندي.. رحم الله السادات الذي كشف عن معدن رائع لصوت رائع.. ورحم الله النقشبندي الذي دخل بصوته كل بيت في الوطن العربي وذهب بنفسه وصوته إلي بلاد كثيرة.. وكان علامة بارزة علي شهر رمضان من جهة وعلي مدح النبي محمد صلي الله عليه وسلم من جهة أخري.