لعلنا, نتفق علي أن الحجاب في مجتمعات, ثم ديانات ما قبل الإسلام فرضا لاشك فيه, أما كيف تخلوا عنه أو لماذا أمسي يستعمل في اضيق نطاق ؟ فذلك شأن يحتاج لبحث منفصل; أما- في الإسلام- فقد صار فرضا علي المرأة متي بلغت لترتديه علي الدوام, بينما كانت المسيحية تطلبه في أوقات الصلاة فقط. وقبل ان نتناول مسألة فرضه, نري انه من المفيد ان نعرج علي وضعه في مجتمع عرب الجاهلية, الذين يعرفونه بصور متعددة منها القناع, الخمار, البرقع, النقاب والجلباب بل حتي الهودج- الذي يثبت فوق البعير وتنقل فيه النساء, مثلما تتنقل نساء العصر الحديث في العربات التي تجرها الحيوانات, أو تلك التي يقودها الرجال وأيضا النساء بأنفسهن!. عرب الجاهلية اعتبروا الحجاب سلوكا محببا, حتي تبلغ سن الزواج فتعرض علي شباب النجع, أو الحي, ثم لا تغطي, بعد ذلك, وجهها إلا في مناسبات محددة! ولكن هذا الحجاب لا يستر جسدها كله, فالصدر والعنق عاريان مزدنان بالذهب والفضة والعنبر, ومنهن من يكشفن خصلات من شعرهن, ومنهن من يسترن ابدانهن كلها, ومنهن من تخالط الرجال وتجلس معهم. و قد نوه القرآن الكريم عنه في قوله تعالي: و قرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي. والحقيقة أن هناك خلطا شائعا بين معاني الحجاب والخمار والجلباب, حتي إن كلمة الحجاب أصبحت تطلق علي هذه المفاهيم الثلاثة دون تفريق. وقد جاء ذكر هذه الألفاظ الثلاثة في القرآن الكريم في ثلاث آيات, آيتين في سورة النور, وآية في سورة الأحزاب, وكل لفظ مختلف تماما عن الآخر. فالخمار: هو ما يغطي به رأس المرأة وعنقها وفتحة قميصها وهو واجب علي عامة نساء المؤمنين لقوله تعالي وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا علي عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون النور31- فالآية صريحة في وجوبه علي عامة النساء. ومعني الضرب هنا: هو الوضع الممكن, أما الجيب: هو فتحة القميص مما يلي الرقبة. والمعني ليشددن وضع الخمر علي الجيوب, حتي لا يظهر شيء من بشرة العنق أو النحر والصدر وقوله تعالي( إلا ما ظهر منها) يعني الوجه والكفين كما قال به جمهور الأئمة من الفقهاء والمفسرين. أما الجلباب: فهو ما يغطي بدن المرأة مما يوضع علي رأسها ويتدلي جانباه بحيث ينسدل علي كتفيها وظهرها إلي أسفلها عند خروجها من بيتها, وهو واجب كذلك علي عامة نساء المؤمنين لقوله تعالي: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما- الأحزاب59-. أما الحجاب: فهو كل ما حال بين شيئين كالستر ونحوه وهو واجب علي أمهات المؤمنين خاصة لقوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلي طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما- الأحزاب53-. وعن هذا الفرض يجد الباحث الكثير من الآراء والتفسيرات, بعضها يرجع إلي وجهات نظر تفسيرية معتمدة علي الألفاظ, وبعضها يرجعه المفسرون إلي تاريخ التسلط الذكوري, بل هناك من يرجع الأمر إلي حالة تخيل ذكورية لا علاقة لها بسبب التحجب, وهو الفتنة. والحقيقة أن الرد علي هذا الرأي, هو نفسه فكرة الرأي نفسها, التي تؤكد لنا أننا لسنا جميعا قادرين علي رؤية هذا التفسير من زاوية أننا نصبغ الأشياء بمدلولاتها ونمنحها رؤيتنا حسب هوانا.. في حين أن حجة المنادين بوجوب الحجاب يرون أنه يمنع وقوع الرجال في المحظور ويحفظ النساء من الأذي, مهما كانت قدرته علي تقييم الأشياء! خصوصا أن هناك من يرجع مسألة إثارة الرجل إلي قدرة المرأة نفسها بوسيلة الإيحاء حتي وإن كانت كاملة التحجب! ولذلك فرض الله تعالي الحجاب علي المرأة المسلمة تكريما لها, و حفاظا علي مكانتها السامية من أن تمس بسوء من الفساق وأشباه الرجال. كما أن الحجاب يمنع من وقوع الرجال في فتنتهن, و يحفظهن من الأذي المترتب علي ذلك. ولذلك يجب علي كل امرأة مسلمة أن تلبس الحجاب الشرعي أمام الرجال كافة, باستثناء المحارم, وهم: الآباء الأجداد آباء الأزواج أبناء الأزواج أبناؤهن الأخوة أبناء الإخوة أبناء الأخوات الأعمام الأخوال المحارم من الرضاع. [email protected]