تثير قصة وفاة طفلة بمرحلة رياض الأطفال في إحدي مدارس الإسماعيلية, موجة من الذعر في المدينة, علي خلفية تردد معلومات غير مدققة حول انتشار واسع لفيروس الالتهاب السحائي القاتل, وهو ما ادي الي ارتباك شديد, بلغ حد منع عدد كبير من الأهالي ابناءهم من الذهاب الي المدارس لأيام, قبل ان تهدأ الأمور تدريجيا, بعد الإعلان عن بدء حملة للتطعيم في مختلف مدارس المحافظة ضد الفيروس. وتوفيت الطفلة سارة الدرديري التلميذة بالصف الثاني في مرحلة رياض الأطفالkg2 الأسبوع قبل الماضي, متأثرة بمضاعفات اصابتها بارتفاع كبير في درجة الحرارة, وبحسب مقربين من الاسرة, فقد خضعت الطفلة في بادئ الأمر لعلاج داخل أحد المراكز الطبية التابعة لجمعية أهلية في المدينة, قبل أن تتدهور حالتها علي نحو كبير, دفع والدها لنقلها الي المستشفي الجامعي, لكنه لم يستمر به سوي بضع ساعات, شهد انهيارا كبيرا في حالتها الصحية, لينتقل بها الي أحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة, لكنها توفيت بعد ساعات. اثارت الوفاة المفاجئة للطفلة, حالة من الذعر في مدرسة24 أكتوبر التجريبية للغات, التي شهدت علي مدار أيام حالات غياب كبيرة في صفوف الطلاب, قبل أن تخرج الدكتورة نسرين يوسف مديرة إدارة الطب الوقائي في الإسماعيلية, لتؤكد عبر صفحتها علي فيس بوك أن ما تردد حول وفاة الطفلة إثر اصابتها بالالتهاب السحائي لم يكن دقيقا, وان التشخيص المبدئي للحالة التي ذهبت عليها الي أحد مستشفيات الأطفال في القاهرة هو اصابتها بمتلازمة راي, وهي حالة نادرة وخطيرة, يمكن ان تؤدي بالفعل الي الوفاة. لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في اثارة موجات من الذعر في مدينة الإسماعيلية, خاصة بعدما تناقل البعض عبر صفحاتهم الشخصية, تدوينة نسبت لاحد أطباء الامتياز في مستشفي الجامعة, وصف خلالها الوضع في المستشفي الجامعي بأنه كارثي, مؤكدا وفاة ست حالات اخري بفيروس الالتهاب السحائي, من بينهم طفل لا يزيد عمره علي ثلاثة اشهر, الي جانب خروج ثلاثة اخرين محملين بالمرض, وهو ما منح كل القصص التي انطلقت في المدينة حول ارتفاع اعداد الإصابات, نوعا من المصداقية, خصوصا وان المستشفي الجامعي كان قد استقبل قبل نحو شهرين الطبيبة داليا محرز التي توفيت جراء اصابتها بمضاعفات الالتهاب السحائي, وتسببت الوفاة في معركة ساخنة بين نقابة الأطباء في الإسماعيلية والمستشفي الجامعي, بعد انكار الأخيرة ان يكون فيروس الالتهاب السحائي هو السبب في الوفاة. في الطريق الي المستشفي الجامعي, كانت قصص الفيروس تحتل اهتمامات الناس, وكان مشهد الأطفال وهم يرتدون الكمامات الطبية في طريقهم الي مدارسهم لا تخطئه عين. علي الهاتف جاء صوت الدكتور هاني الدمياطي مدير المستشفي الجامعي ودودا, لكنه اعتذر عن التعليق علي الموضوع, لأسباب تتعلق حسبما قال ببروتوكول يقصر الحديث في مثل تلك الأمور الفنية علي رئيس الجامعة وحده! في نقابة الأطباء كانت أصداء وفاة الدكتورة داليا محرز التي توفيت في أكتوبر الماضي, ما زالت حاضرة, مشهد الاطباء وهم ينددون بتصريحات المسئول عن الصحة, التي اثارت حفيظة اسرتها وزملائها عن اسباب وفاتها إثر حادث!, فيما الكل يعلم ان داليا ذات ال28 ربيعا, والتي تركت طفلا لم يبلغ العامين بعد, ماتت اثر اصابتها بعدوي الالتهاب السحائي القاتل, أثناء عملها بالقوافل الطبية, قال لي الدكتور عمر حسونة, عضو مجلس نقابة الأطباء بالاسماعيلية: ان زملاء داليا قاموا بنشر التقرير الطبي والتحاليل التي تؤكد اصابتها بالالتهاب السحائي, بالتزامن مع ظهور حالات جديدة قام عدد من الاطباء وهيئات التمريض, بنشرها علي مواقع التواصل الاجتماعي, لتعيش المحافظة اسابيعا من الجدل, وسط غياب كبير لمسئول النفي الممثل في وزارة الصحة, ويضيف الدكتور عمر: كان التأخر قاتلا مرعبا, حتي ان الاطقم الطبية في المستشفيات اصابها الخوف من التعامل مع المرضي. التباطؤ حسبما يري الدكتور عمر حسونة, لم يكن فقط في الرد علي هواجس الناس, ووقف موجة الهلع التي ضربت المحافظة, لكنه يمتد في الإسماعيلية الي المنظومة الطبية بكاملها, بدء من نقص الادوية والمستلزمات, ونقص التخصصات الطبية المختلفة, ويصل الي حد غياب شركات النظافة, واستعانة بعض المستشفيات بمسجلين خطر ليعملوا كأفراد امن, بسبب عدم التعاقد مع شركات امن متخصصة لحماية المنشآت الطبية. في مديرية الشؤون الصحية التقيت بالدكتورة نسرين يوسف مديرة الطب الوقائي, التي المحت في وقت سابق الي أن السبب الرئيس وراء وفاة الطبية داليا محرز كان خطأ طبيا فادحا: عندما تم حجزها للمرة الثانية في مستشفيي الجامعة في28 أكتوبر, تم تشخيص الحالة علي انها التهاب سحائي درني, وكان تشخيصا خاطئا, لانها كانت مصابة بالالتهاب السحائي البكتيري, والعلاج في الحالتين مختلف, في حالتها كان نوع قوي من المضاد الحيوي كفيل بانقاذها, الحالة لما بتاخد العلاج مضبوط ونتعامل معاها صح من الأول بيكون الشفاء مضمون. قالت لي الدكتورة نسرين يوسف أن معدلات الإصابة بالالتهاب السحائي في الإسماعيلية, اقل من معدلاتها الطبيعية, وان سجلات الرصد التابعة لإدارتها لم تسجل سوي18 حالة فقط منذ بداية العام, وهو معدل يقل عن المعدل الطبيعي للإصابة بالمرض الذي يدور حول20 حالة تقريبا. هل أصيبت الطفلة سارة بالالتهاب السحائي وتوفيت علي اثرة؟ لا تستطيع الدكتورة نسرين ان تحدد بدقة ذلك, لكنها تقول: كل ما امكن لنا التأكد منه أن الاعراض التي استبقت وفاة الطفلة, تشير الي اصابتها بحالة نادرة وخطيرة تسمي متلازمة راي, وهي حالة السبب الفعلي لها غير معلوم, ولكن قد يحفز ظهورها تناولها مثلا للاسبرين, فهو محظور علي الأطفال كعلاج لاي مرض فيروسي بسيط, مثل الانفلونزا او الجديري المائي, كذلك يمكن ان تظهر تلك المتلازمة عند المرضي الذين يعانون من اضطراب وراثي لاكسدة الاحماض الدهنية, وكذلك التعرض لبعض أنواع السموم مثل المبيدات الحشرية او مخلفات الطلاء. في مستشفي حميات الإسماعيلية بدا كل شيء هادئا, وقال لي الدكتور عبد المنعم يونس مدير المستشفي: لم نسجل دخول حالة واحدة بالالتهاب السحائي, وكل ما يثار حول الموضوع غير دقيق بالمرة. في نقابة الأطباء قال لي الدكتور عمر حسونة: الامر لا يتعلق فحسب بمدي صحة ما يتردد من ارقام حول اعداد الإصابات, وجميعها غير دقيق, لكنه يفجر في النهاية قضية في غاية الأهمية, وهي المتعلقة بمستوي الخدمة الطبية في محافظة ستكون هي رأس الحربة لمشروعات التنمية الجديدة في الإقليم, ويضيف حسونة: مستشفي الإسماعيلية العام مثلا, هل يمكن ان يصدق احد انه لا يوجد بها طبيب مقيم لامراض الباطنة؟ وانها تفتقد للعدد الكافي من نواب الجراحة والعناية المركزة, بل انها في بعض الفترات لم يكن بها طبيب عناية واحد معين, ومعظمهم الذين كانوا يعملون بها بنظام التعاقدات, في الوقت الذي تقوم فهي كل المستشفيات الطرفية بتحويل المرضي والحالات الحرجة اليها والي المستشفي التخصصي التابع للجامعة. ويضيف حسونة: هناك مستشفيات كاملة بالمحافظة, لا يوجد بها طبيب تخدير واحد, او دكتور واحد للجراحة, وهناك مستشفيات اخري لا تعمل بعد الساعة الثانية ظهرا, لأنه ببساطة لا يوجد بها نوبتجي واحد! علي مدار الأسبوع الماضي, عاشت مدارس الإسماعيلية أياما من الهدوء الحذر, بعدما أعلنت وزارة الصحة والتربية والتعليم عن بدء حملة للتطعيم ضد الفيروس في مختلف المدراس, لكن ذلك لم يمنع كثير من علامات القلق علي وجوه الناس, ومن قبلها تساؤل في غاية الأهمية عن السر الذي يربط منذ أكتوبر الماضي, بين ظهور المرض بوفاة الطبيبة داليا محرز, وبين شائعات انتشاره علي نحو مرعب, ومعظمها خرجت من المستشفي الجامعي, الذي يواجه منذ سنوات بعيدة اتهامات في غاية الخطورة, لا تتعلق فحسب بمستوي الخدمة الطبية المقدمة فيه, وانما أيضا في مدي كفاءة ودقة عدد غير قليل من العاملين فيه, وهي الدقة التي علق طبيب كبير عليها بقوله انها كانت سببا في انفلات تلك الموجة من الذعر, بعدما اصبح كل من يدخل الي المستشفي مصابا بارتفاع في درجة الحرارة, تحت الاشتباه بأنه يحمل فيروس الالتهاب السحائي.