تمثل الأخلاق قدرة الإنسان علي تمييز الحق من الباطل, ووعيه بعمل الصواب بغض النظر عما يقال, ومن هنا تتشكل الإرادة, ويتحدد نمط التفكير السوي. وصدق أحمد شوقي حين قال: إن الأمم تضمحل وتندثر إذا ما انعدمت فيها الأخلاق. وحين عدت للتاريخ, عرفت كيف بنت مصر حضارتها, فمن وصايا الحكيم( بتاح حتب) لابنه: انحن احتراما لرئيسك, احذر الطمع, لا تكن متكبرا, من يستمع يكون مالكا للفائدة, عقل الإنسان هو حياته, حب زوجتك ووفر لها المأكل والمسكن, واسترها, وأسعدها طوال الوقت, فهي حقل مثمر لسيدها وعلي جدران المعابد وجدت الرجل في رفقة زوجته وأبنائه في كل أعماله. وكانت الزوجة تلقب بسيدة البيت. معني ذلك أن التقدم مبني علي العلم والأدب. تلك هي مقاييس الحضارة المصرية القديمة, أما الآن أصبحنا نعاني انفلاتا أخلاقيا لا حدود له, ورغم السلوك الإيجابي الذي يتحلي به الرئيس السيسي, نجد هجوما, ورد فعل متطرف من البعض, يكشف لنا الأسباب الحقيقية لتدهور حالنا. حيث أصبح الغش, والنفاق, والفساد شعارا يرفعه معظم الناس حتي يحقق أهدافه. وأصبحت الأخلاق تباع في سوق النفاق, ومجالس تجار الدين, مجرد هتافات فقط. أما أرض الواقع فشيء آخر, فهذا الجيل هش, لا يعرف أصول تاريخ بلده, ولا يفهم مفردات الحياة, ولا يستجيب ولا يصغي إلا ما عفا ربي. وإذا وجهت اللوم له, وجدت الإجابة تقطع حديثك في برود لتخبرك: أن دا سلوك عادي, هو في ايه, الدنيا كلها ماشية كدا ورغم أن الثورة هدفت التطهير الا أنها كشفت عن أسوأ ما فينا. ورغم أن الديانات السماوية تحث علي الأدب, والأقلام لا تكف عن الترويج للقيم الإنسانية, إلا أن الأمر يزداد سوءا, ليس علي مستوي الشباب فقط بل يمتد ليشمل الكبار, وهي نتيجة طبيعية بعد سنوات من الفساد العلني, والتحرشات, وغياب القانون, وسيطرة الإعلام والأفلام الهابطة علي العقول, وتفكك الأسرة, والمنافسة غير الشريفة, فليس هناك رقيب ولا ضمير. ولن أخوض في تفاصيل أكثر عن أسباب تدني الأخلاق, ولاسيما داخل أروقة الجامعات, ويكفي أن نعلم أن الحرم الجامعي تحول إلي سوق أو مقهي, ولأن الطالب افتقد التربية السليمة من البداية في البيت و المدرسة, فمن الصعب أن ننتظر منه الفضيلة داخل الجامعة. خاصة أنه تعلم أن يلغي عقله, ويعيش وسط أسرته مثل اليتيم, فالأب مشغول, والأم تخلت عن دورها. وأتذكر ما قاله أحد المستشرقين, إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بهدم الأسرة, وسقوط القدوة, وغياب دور المعلم. فإذا خجلت الأم من وصفها ربة البيت, واختفي الأب الواعي والمخلص, وتم تحقير القدوة( علماء, قادة,...), وسقط دور المعلم فمن يربي الأجيال الصاعدة علي القيم؟.. وأي تبريرات مهما تكن لا تغفر ما وصلنا إليه من انحرافات سلوكية لكل الفئات العمرية؟.. فثروة المرء في عقله, والأحمق من يفقد القدرة علي تغيير نفسه بحجة أن الظروف هي السبب.