علي مدي عمر كلية الآداب جامعة عين شمس, كان منصب عميد الكلية حكرا علي الرجال إلي أن جاءت الدكتورة سوزان القليني لتكسر القاعدة, ليس فقط بسبب جدارتها للمنصب, ولكن أيضا بسبب جو عام أصبح أكثر تقديرا لدور المرأة وقيادة سياسية أدركت تمام الإدراك أن السيدة المصرية لا تقل في قوتها وصلابتها وذكائها وعلمها عن المرأة الغربية, بل تفوقها وتستحق أن تنال مكانة عالية تناسب ما تبذله من جهد طوال عمرها في كل مجالات حياتها العلمية والشخصية, وعن مخاطر ومصاعب هذه المهمة والتحديات التي تواجهها المرأة دار حوارنا مع الدكتورة سوزان القليني: هل ترين أن دور الجامعة تراجع في العقود الأخيرة بسبب كثرة أعداد الطلاب وأصبحت نوعية التعليم خاصة في كليات الآداب غير قادرة علي أداء دورها؟ لا أري أن دور الجامعة تراجع ولكن الأحداث والاضطرابات التي مرت بها مصر خلال السنوات الأخيرة أثرت علي مؤسسات الدولة كلها ومنها الجامعات مما أثر علي نسبة الحضور والانتظام للأساتذة والطلبة, فالوضع لم يكن مستقرا علي كل المستويات. وانعكس ذلك علي كل المؤسسات وأدي لحالة فوضي عارمة تحتاج لثورة عارمة علي النواحي التنظيمية والإدارية, فنحن نعيش انتكاسة إدارية غير عادية. هل تعتقدين أن قانون الخدمة المدنية سيعيد إصلاح الوضع الحالي؟ للأسف القانون لا علاقة له بالإداريات, لأنه يطبق علي الموظفين الموجودين بالفعل, لذلك نحن نحتاج لثورة في الفكر الإداري نفسه لتغيير مفاهيم ومعتقدات الناس نحو العمل, وثورة سلوكية في الأداء الوظيفي. فالمشكلة ليست في اشتغل فين ولكن اشتغل إزاي, لأن مستوي الأداء الوظيفي الحالي دون المستوي. والموظفون يحتاجون لإعادة تأهيل وتجديد لفكر العمل الإداري. والأهم أننا نحتاج لتغيير القوانين واللوائح المنظمة للعمل, لأن القوانين المالية التي تصدر معوقة للعمل بالفعل, فالقانون الحالي يمنح الأستاذ مقابل25 جنيها عن ساعة التدريس. هل تعتقدين أن هذه القوانين المالية أثرت علي مستوي التدريس في الجامعة؟ بدون شك.. فالأستاذ في الجامعة الخاصة يتقاضي ما بين200,180 جنيه عن الساعة الواحدة, في مقابل25 جنيها في الجامعة الحكومية. هل تجدين إعراضا من الطلبة عن الالتحاق بسلك التعليم الجامعي؟ دعينا نتحدث عن كل مشكلة بالترتيب, ولنبدأ بالمعيدين الذين يتم تعيينهم بالتكليف وفقا للخطط الخمسية للكليات, وعادة ما يكلف الأول والثاني علي الدفعة, وهذا نظام عقيم يجب تغييره لأنه لا يفرز الأفضل دائما, فالأول قد يكون قادرا علي الحفظ فقط, لكن لا يتمتع بأي مقومات للتدريس وليس لديه أي فكر للتطوير أو إمكانيات شخصية أو ذهنية للتواصل مع الطلبة.. فيجب أن تكون هناك لجنة لاختيار المعيدين تشكل وفقا لشروط معينة وصارمة حتي تبعد عن أي شبهات للوساطة أو المحاباة. لتضم أساتذة ممارسين في المجال, ومتخصصين في التنمية البشرية لاختيار أفضل العناصر القادرة علي التواصل مع الطلبة. الروتين واللوائح هي أولي العقبات التي واجهتك كعميد لكلية الآداب, فماذا عن المعوقات الأخري التي واجهتيها أثناء تدرجك الوظيفي بالجامعة؟ المشكلات الأخري القائمة بالكلية ليست إدارية بقدر ما هي متعلقة بالإنسان نفسه, فالبشر الذين نتعامل معهم لديهم قدر كبير من المقاومة لأي تغيير علي مستوي الأساتذة والطلبة أيضا, والعائق الثاني هو سمة يجب الانتباه لها وهي أن كثيرين لا يحبون رؤية نموذج ناجح, فيعملون علي تحطيمه بدلا من معاونته, فأصبحت تكتلات الشر أكثر من تكتلات فريق العمل المتعاون, وللأسف هذه طبيعة المجتمع وعلينا أن نتعامل معها. وهناك عائق آخر هو مبدأ الأقدمية في التعيينات التي أعتبرها آفة التعيينات, فلا يصح أن تكون مبدأ للاختيار لأن الشخص المختار بسبب أقدميته قد لا يتمتع بموهبة الإدارة ولا سماتها وغير قادر عليها, ومن المعوقات الأخري عدم التكامل بين أفرع المنظومة العامة, وللأسف كلنا نعمل في جزر منعزلة, فالجامعة مثلا لابد أن تكون مفرخة للأبحاث العلمية والإنسانية التي يجب أن يستفيد بها المجتمع بداية من الصناعة والتجارة والتعليم, لكن الأبحاث التي تجري بالجامعة لا تجد صدي. وفي نفس الوقت نجد رجال الأعمال وأصحاب المصانع يعانون من مشكلات يبحثون في الخارج عن حلول لها في حين أن الجامعة بها أبحاث تستطيع حل مشاكلهم. بعد25 يناير, ظهر تيار يطالب بضرورة انتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات, فكيف ترين هذا النظام؟ هو أسوأ نظام يمكن أن يطبق في ظل سلبيات المجتمع الحالية, فهذه التجربة أسفرت عن مشكلات كثيرة حيث بدأت التربيطات والتحالفات, وتحولت إلي مقايضات يجريها المرشح فيصبح محملا بفاتورة عليه دفعها في حال نجاحه. كيف ترين ممارسة الطلبة للسياسة داخل الجامعة ورفض البعض لمنع ممارسة السياسة داخل حرم الجامعة بحجة أن الشباب الجامعي كان يمثل جماعات ضغط وساهم في تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي من قبل؟ الجامعة مكان لممارسة الأنشطة العلمية والثقافية والتعليمية وليست لممارسة السياسة, ولكن كثيرا من المحاضرات في تخصصات مختلفة مثل الآداب والتجارة والحقوق وغيرها, لابد أن تتطرق لدراسة التوجهات السياسية وتأثيرها, وهذا شيء طبيعي ومقبول خاصة في كلية الآداب التي تعد كلية الفكر, لكن الممارسة السياسية داخل الجامعة لا تجوز, أما عن مقولة مساهمة شباب الجامعة في الحراك السياسي زمان, فحتي في هذا الوقت كان الشباب يخروجون بالمظاهرات خارج أسوار الجامعة وليس داخلها. لنتكلم قليلا عن دور المرأة خلال الفترة الماضية, كيف ترينه وقد ذكرت أن وصولك لهذا المنصب جلب لك الأحقاد فهل شعرت أن جزءا منها كان بسبب كونك امرأة؟! دائما أقول إن المرأة المصرية تستحق أن يضرب لها تعظيم سلام, وهذه حقيقة لأنها مؤدية رائعة في كل المجالات ويعتمد عليها. وما رأيك في تواجد المرأة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة, وهل تعتقدين أن نظام القوائم دعم وجودها؟ نسبة وجود المرأة في الانتخابات الأخيرة أسعدتني جدا, حيث لم يقتصر وجودها علي القوائم فقط, فهناك عدد كبير من السيدات خضن الانتخابات علي مقاعد فردية, وهذا يعني أن المرأة بدأت تشعر بالأمان وتتشجع علي خوض الانتخابات والتواصل مع الناس وتقوم بجولات انتخابية مثل الرجال, وهذا أمر إيجابي. وهو تطور طبيعي لتاريخ المرأة المصرية في العمل العام علي مدي التاريخ. وما رأيك في نظرة حزب النور للمرأة وفكرة المحرم في البرلمان؟ لدي تحفظ بالأساس علي أي استخدام للدين في العمل العام أو السياسي. فالدين له مؤسساته المنوطة به, ولا أتقبل فكرة ظهور حزب ديني في الحياة السياسية, وهو أمر يؤخذ علينا من العالم كله, فالمدخل الديني في السياسة أصبح لا وجود له, ففي الخارج لو سألت شخصا عن دينه فأنت معرضة لمساءلة قانونية لأنه أمر شخصي. وهذه من الأمور التي نحتاج فيها لثورة حقيقية لتغيير هذا المفهوم. هل تعتقدين أن الشعب فهم اللعبة؟ أكيد, والدليل أن حزب النور في المرحلة الأولي لم يحصل علي أكثر من6 مقاعد, ونحن في الإعلام ندرك قاعدة استخدام المدخل الديني والعاطفي للتأثير علي الناس, وهذه التيارات استخدمت هذه المداخل بكثرة, ولكن بعد التجربة المريرة لحكم الإخوان أدرك الشعب الحقيقة واستيقظ, فالضد دائما يظهر المعني ويوضحه, وما حدث كشف هذه الوجوه للشعب. كيف تقيمين أداء الإعلام خلال الفترة الماضية؟ الإعلام كأي مجال آخر, يحتاج إلي قائد ومنظم يدير المنظومة, فتخيلي أن كل مجموعة الآن تعمل منفردة بدون رقابة. هل تعنين ضرورة عودة وزير الإعلام؟ بل أطالب وبشدة بعودة منصب وزير الإعلام, فلابد أن يكون هناك من ينظم العمل الإعلامي. وأن تكون هناك قوانين تساعد وزير الإعلام في تحقيق هذه المهمة. وماذا عن الثقة المفقودة ما بين الشعب والحكومة؟ مشكلة التواصل بين مؤسسات الدولة والشعب منوطة بإدارات معينة من المفترض أنها تتواجد داخل المؤسسات, وهي إدارات العلاقات العامة المعنية بالتعامل مع الجمهور داخل وخارج المؤسسة, ولكن للأسف لدينا خطأ في فهم وظيفة العلاقات العامة علي أنه يقوم باستقبال الضيوف وحجز تذاكر السفر, وهذه ليست مهمة العلاقات العامة, لأن مهمتها هي التواصل مع جمهور المؤسسة الداخلي والخارجي. وبالتالي يجب أن يكون هناك توصيف وظيفي لإدارة العلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات, وهذا يرجع لعدم التواصل بين مؤسسات الدولة المختلفة, فعلي سبيل المثال لدينا في قسم الإعلام رسائل ماجستير ودكتوراه في تخصص العلاقات العامة, لكن لا تتم الاستفادة بها في تطوير وتقنين أقسام وإدارات العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية لتقوم بدورها في التواصل مع أفراد المجتمع, فقد كنا نتوقع أن تستغل مؤسسات الدولة التطور التكنولوجي الهائل في التواصل مع الجمهور, ولكن للأسف لم يتم هذا وتستخدام التكنولوجيا استخداما خاطئا. وماذا تقترحين حلا لهذه المشكلة؟ أولا يجب استخدام التكنولوجيا بشكل جيد, والكلية تقيم عبر وحدة الخريجين معرضا سنويا للتوظيف لترشيح أفضل الخريجين للعمل في مؤسسات الدولة المختلفة حسب التخصصات التي تحتاجها وفقا للمواصفات التي تطلبها المؤسسات, وهناك تفاعل وتنسيق جيد بين الإدارة وبين بعض مؤسسات الدولة, كما أري أنه يجب أن يتم تمثيل إدارات العلاقات العامة والإعلام في مجالس إدارات الوزارات والمؤسسات لأنهما المعنيان بتوصيل فكر وقرارات الإدارة للجمهور الداخلي والخارجي للمؤسسة, حتي لا يقوم الإعلام بنقل أنباء خاطئة ومشوهة, خاصة في ظل وجود كثير من المغرضين الذين يسعون للإثارة والتسخين, وهم أكثر تواصلا مع الإعلام, وللأسف تفتح لهم وسائل الإعلام الخاصة أبوابها لأنهم يحققون لها عنصر الإثارة لرفع نسب المشاهدة. وما رأيك في ظاهرة المتحدث الرسمي والشروط التي يجب توافرها فيه؟ أولا المتحدث الرسمي يجب أن يكون متخصصا بالأساس في المجال الذي سيمثله, لأنه سيتحدث نيابة عن المسئولين في هذا المجال, ويخرج ببيانات تحمل معلومات متخصصة يجب أن يكون ملما بها, وثانيا يجب أن يكون لديه قبول ويحصل علي تدريب إعلامي للتواصل مع الجمهور ووسائل الإعلام المختلفة ومواجهة الكاميرا, وأن يدرك أسس التعامل مع كل مجال لأن كل جانب له طريقة مختلفة. هل يوجد بالفعل إعلام محايد؟ هذا ما ندرسه بالكتب وفي محاضراتنا للطلبة كنظريات, ولكن بصراحة.. الإعلام المصري كان بالفعل في فترات معينة إعلاما موضوعيا ويلعب دورا مهما وجيدا في التنوير والتنمية, ولكن بدأت الأمور تنفلت مع ظهور الإعلام الخاص الذي يبحث بالأساس عن الربح والمصالح, فالإعلام الخاص لا يهدف لتنمية وتطوير المجتمع, وأصبح يؤدي لهدم قيم المجتمع, لذلك أدي هذا لفقد المصداقية خاصة عندما يجد المواطن تناقضا شديدا بين وسيلة وأخري. فيصاب المواطن بالحيرة. ظاهرة الإعلامي الشامل الكشكول الذي يكتب في الجرائد ويقدم برنامجا تليفزيونيا وإذاعيا بشكل أشبه بمطاردة الجمهور عبر كل وسائل الإعلام.. كيف ترينها؟ هي بالفعل ظاهرة في غاية الخطورة, ولا توجد في أي مكان في العالم إلا بمصر, وسببها عدم المهنية وعدم احترام التخصص, وهي تجسيد لمفاهيم الفهلوة المصرية التي تجعل الشخص بتاع كله. وهذا يعيدنا مرة أخري للحديث عن ضرورة تنظيم المشهد الإعلامي في مصر وأن تخضع كل مؤسسات الإعلام في الدولة سواء عاما أو خاصا لقانون وسياسة موحدة تنبع من سياسة الدولة. فليس منطقيا أن يخضع التليفزيون المصري لقوانين مختلفة عن الفضائيات الخاصة الخاضعة لقوانين الاستثمار. ولا يصح أن تسير سياسة الدولة في اتجاه ويسير الإعلام في اتجاه معاكس, فالإعلام سلاح يجب أن تحسن الدولة استخدامه حتي تنجح, ودول العالم كلها تستخدم الإعلام لخدمة سياساتها, ونحن للأسف نستخدمه لهدم الدولة.