في كل يوم تتزاحم في أعيننا وجوه العابرين وتكتظ ذاكرتنا بالأحداث والصور والمشاهدات.. الكثير منها ما يسقط بفعل التقادم أو نتيجة لوضعه بدون اكتراث علي هامش اهتماماتنا.. لكن أحداثا وأشخاصا بأعينهم يبقون في حياتنا كالنقش علي الحجر ويبقي أثرهم خالدا فينا ما بقي في القلب نبض. لذا اسمحوا لي في مقالي هذا أن ابتعد كثيرا عن أحداث السياسة والحروب والدمار الذي يحاصرنا من كل اتجاه ويؤرق مضاجعنا ليل نهار.. وأن اتحدث عن شخصية أدين لها بالكثير من الفضل وأحمل كل التقدير والاحترام والامتنان لما لها من أثر بالغ مهنيا وأخلاقيا- ليس علي شخصي فحسب ولكن علي جميع زملائي بالأهرام المسائي لا استثني منهم أحدا. اسمحوا لي اليوم أن اتحدث عن أستاذي الدكتور محمد منصور هيبة أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ورئيس الديسك المركزي بالأهرام المسائي.. اسمحوا لي أن أتحدث عن الأخ الأكبر قبل الأستاذ.. وعن الموجه قبل الزميل..وعن الصديق قبل كل هؤلاء. قبل25 عاما تقريبا.. حين وطأت أقدامي جريدة الأهرام المسائي متدربا.. كنت أراه دءوبا يواصل الليل بالنهار.. يسير في صالة التحرير بالدور الرابع بالمبني القديم ويحيط به عشرات الزملاء يستمعون لتوجيهاته ويتعلمون منه فنون وقواعد الصياغة الصحفية خاصة في قسم التحقيقات الذي كان يتولي رئاسته بجانب مهامه الأساسية في إعادة صياغة الجريدة وتجهيز موادها للنشر حيث كان يواصل الليل بالنهار ويسابق الزمن من أجل خروج الجريدة الوليدة في أبهي صورها متحملا مشاق تشتته بين التدريس في الجامعة ومهمة تخريج جيل جديد من الصحفيين بالجريدة الوليدة.. ورغم أنني لم أحظ بشرف العمل تحت قيادته منذ البداية حيث ساقتني الأقدار بعد لقاء خاطف مع الأستاذ مرسي عطا الله رئيس التحرير وقتها إلي العمل بالقسم الرياضي.. وأذكر أنه في هذا اللقاء سألني الأستاذ مرسي عن القسم الذي أرغب في العمل به فأجبت علي الفور القسم الأدبي حيث كنت وقتها متخرجا في كلية دار العلوم وأقوم بعمل تمهيدي ماجستير في الأدب.. إلا أنه لم يكن في مقدوري أن أرفض أو أجادل وأهدر حلمي في دخول بلاط صاحبة الجلالة.. وخلال مسيرة عملي بالقسم تعرضت لمواقف وأزمات عديدة لا جدوي الآن من الحديث عنها إلا أن واحدة منها كادت تطيح بي خارج المبني للأبد ووقتها لم يكترث أحد بما أتعرض له ربما لأن دوامة العمل كانت لا ترحم وتجعل الكل مهموما بنفسه وحين وصلت الأزمة للأستاذ مرسي عطا الله وقف الجميع صامتا وقتها ولكن تقدم الدكتور محمد منصور ودافع عني دفاعا مستميتا وفقما قال لي أحد شهود اللقاء وكانت النتيجة أن الأستاذ مرسي تفهم الأمر ووافق علي استمراري بالجريدة.. ووقتها كنت قد اندمجت بالقسم الرياضي وسط كوكبة من أروع وأفضل الزملاء وأحببت العمل به لدرجة أنه في هذه الفترة جاءتني فرصة للتعيين بقسم الإذاعة والتليفزيون بالأهرام الصباحي لكني لم أكترث لها وقررت الاستمرار متدربا في القسم الرياضي.. حتي جاء موعد اختيار دفعة للتعيين وشاءت أقداري وقتها أن أتعرض لأزمة أخري كادت تطيح باسمي من كشف المرشحين وللمرة الثانية يتدخل الأستاذ الدكتور محمد منصور لدي الأستاذ مرسي عطا الله ويقول شهادة في حقي رأي أنها حقا وعلي أثرها تم اعتماد اسمي رسميا وصرت عضوا في أسرة مؤسسة الأهرام العريقة. الأستاذ الددكتور محمد منصور هيبة.. مهما قلت فلن أوفيك ولو النذر اليسير من حقك.. تلك شهادة حق اقولها في رجل تعلمت منه وما زلت كل معاني الوفاء وكيف يكون تواضع العلماء. [email protected]