منذ أن أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب على الإرهاب فى عام 2003 وأرسلت قواتها العسكرية لتحارب "الإرهاب" فى مختلف أنحاء العالم من أفغانستان الى العراق، لم يتراجع ولم تنخفض حدته، بل بالعكس تماما، فقد تزايد بمعدلات أكثر كثيرا من السابق. وفى السنوات القليلة الماضية ظهرت مجموعات إرهابية جديدة، فبجانب القاعدة هناك بوكو حرام ثم داعش وامتدت اياديهم الى كل العالم، من العراق إلى سوريا واليمن ثم بيروت وسيناء والقاهرة وتونس، ثم انتقلت الى باريس فى عملية واسعة بعد عملية جريدة شارلى ابدو وبعدها فى كينيا ثم مالى قبل يومين. ذلك يؤكد حقيقة واحدة مؤكدة وهى أن الحرب ضد الإرهاب لن تنجح بالسلاح، ولن يمكن محاربة الإرهاب بجيش نظامى. ففى برنامج بالتليفزيون الفرنسى قال دومينيك دى فيلبان وزير الخارجية الفرنسى الأسبق إن الإرهاب ليس له وجه ولا كيان ولا يرتدى زيا موحدا كما فى الجيوش النظامية، لذا فلم ننتصر أبدا فى أى حروب خضناها ضد الإرهاب بقوات نظامية. يتساءل البعض: هل هناك حلول؟ نعم هناك بالتأكيد سبل ووسائل يمكن استخدامها. بداية يجب ان يسأل الغرب نفسه السؤال الذى سأله من قبل الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، عندما قال: لماذا يكرهوننا؟ كان السؤال جيدا، ولكن الإجابة لم تكن هى الإجابة الصحيحة، إذ قال: يكرهوننا لأننا أغنياء ولدينا ديمقراطية وحرية. ليس ذلك هو السبب ولكن الفيلسوف الفرنسى ميشيل أونفراى وضع أصبعه على الإجابة الصحيحة عندما قال فى حديث معه فى مجلة لوبوان الفرنسية: على فرنسا وقف سياسة الكراهية للإسلام. وقال أونفرى: "تقصفون بلادهم وتشردون أبناءهم وترسمون نبيهم فى أبشع الرسومات الكاريكاتورية وتساندون المسيحيين الأفارقة وتسلحونهم ليقتلوا المسلمين فى مالى وإفريقيا الوسطى. ثم تظهرون بمظهر الضحية. لا تضحكوا على أنفسكم فلن يصدقكم إلا الأغبياء والمنافقين فقط". وقال فى تغريدة على موقعه فى تويتر: اليمين واليسار الذين شنوا الحروب دوليا ضد الإسلام السياسى. يحصدون محليا حرب الإسلام السياسى". وقال اونفراى: ان ما حدث فى باريس فى 13 نوفمبر الحالى هى حرب حقيقية ولكنها رد على حروب أخرى شنها الغرب على الدول الإسلامية وكانت البداية قرار تدمير عراق صدام حسين". وحث فرنسا على سحب قوات الاحتلال ووقف التحالف مع الولاياتالمتحدة. وأكد دى فيلبان فى مداخلته فى التليفزيون الفرنسى أن الحرب ضد الإرهاب يجب أن تشن سياسيا. فإن كان الهدف من الإرهاب كما يرى خبراء مكافحة الإرهاب، هو إثارة انتباه أكبر عدد ممكن من المواطنين وإثارة الخوف بين المدنيين الآمنين وليس قتل أكبر عدد منهم، فإن محاربته يجب أن تكون نفسية وسياسية. كما أكد كبير القضاة الفرنسيين فى مجال مكافحة الإرهاب، قبل سنوات، أنه يجب العمل بنظام الوقاية، أى أن تعمل الجهات المسئولة على تحديد أماكن وهوية الخلايا التى تشارك فى العمليات الإرهابية وتقضى عليها قبل أن تنتقل تلك الخلايا الى مرحلة العمل. ويجب تدريب قوات متخصصة فى مكافحة الإرهاب، لأن القوات النظامية العادية ليست مدربة على هذا النوع من الحروب، تتعامل مع قضاة متخصصة وتتلقى منهم الأوامر بالتفتيش أو بالتنصت على التليفونات ويمدون المخابرات بالمعلومات التى يحصلون عليها. إن مكافحة الإرهاب تنجح عندما يدرك الغرب أن العالم كله يعانى نفس الآفة والغرب ليس هو الوحيد المستهدف وإن كانت عواصم العالم أبدت تضامنها مع باريس بشكل مغالى فيه، فيجب إبداء نفس التضامن مع بيروتوكينيا ومالى وتونس والقاهرة وسوريا واليمن والعراق، يجب رفع أعلام كل تلك الدول التى تعانى الإرهاب تماما مثل فرنسا.