تري الدكتورة ليلي لطفي القائم بأعمال رئيس أكاديمية السادات ان حل ازمات مصر الاقتصادية لن يتم الا ب دواء مر, يتمثل في اعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات التي تحكم مسار الاقتصاد والاستثمار في البلاد, وتقول ان هذا الدواء هو السبيل الوحيد للنهوض بمصر, والعبور بها نحو المستقبل. وتحذر القائم باعمال رئيس اكاديمية السادات للعلوم الادارية من استمرار التعامل مع الازمات والمشكلات التي تعاني منها مصر, بنفس الفلسفة والطريقة القديمة, مشيرة الي أن الفساد في الجهاز الاداري للدولة, وصل الي مستويات مزعجة, تتطلب من القيادة السياسية التدخل السريع وبشكل حاسم, وتطالب لطفي في حوارها مع الاهرام المسائي المصريين بالصبر, لكنها تطالب الدولة في الوقت ذاته بالوقوف الي جانب الفئات المهمشة والفقيرة, مشددة علي أن العمل وفق مؤسسية وليس أشخاص سيختصر الكثير في عبورنا نحو المستقبل. بداية كيف تنظرين الي الوضع الاقتصادي في مصر خاصة في ظل ما يشهده الجنيه من أزمات ؟ أري أن مصر من أحسن لأحسن, وهذا ليس كلاما فقط ولكن من واقع شواهد كثيرة تؤكد ذلك, مثل افتتاح قناة السويس الجديدة ومحور التنمية الذي سيقام حولها والذي سيحقق انتعاشة اقتصادية كبيرة, ومن قبله كان المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ والذي ظهر فيه أن العالم وضع مصر في مكانتها الصحيحة, بالاضافة الي مؤشرات الاستثمار فهناك مستثمرون كثر سواء عرب أو أجانب بدأوا يرون في الاستقرار السياسي الذي تشهده مصر معطيات ثقة بأن هناك مناخا استثماريا جيدا, وهذه الأمور وغيرها تعطي دلائل علي أن مصر للأفضل, وصحيح أن هناك بعض المشكلات التي تواجهنا سواء انخفاض سعر الجنيه المصري وارتفاع سعر الدولار مما سبب تخوفا لدي الكثيرين, وهذه أمور كان يجب أن يجري قبلها دراسة جيدة فالقرار تم اتخاذه في وقت صعب وتكرر الانخفاض وتسبب ذلك في خسائر كبيرة. ولماذا بدأ الارتفاع بمجرد الاعلان عن تغيير اسم محافظ البنك المركزي ؟ في اعتقادي ان انخفاض سعر الجنيه من الأساس لم يلق موافقة من القيادة السياسية والدليل علي ذلك تكرار انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه بعد الاعلان عن اسم جديد لمحافظ البنك المركزي بالاضافة الي أمور أخري منها أن هناك الكثيرين ممن استغل الفرصة وزادت عمليات بيع الدولار, الي جانب أن هناك الكثير من المستوردين أوقفوا نشاطهم قليلا حتي يتبينوا الي أين ستذهب الأمور فانتظروا ليروا أين ستستقر الأوضاع. وهل مثل هذه القرارات يتحكم فيها أفراد.. هل نحن دولة أشخاص ؟ من المفترض أن نعمل في منظومة وفق منهج متبع لا يتغير بتغير الأفراد, لكن الواقع حتي الآن يوضح أن مصر لا تعمل بطريقة مؤسسية, والشخص أو القائد أو الرئيس لأي فريق أيا كان حجمه ومسئولياته وحتي لو علي مستوي الشركات الصغيرة نجد أن مجرد تغيير رئيس مجلس ادارتها يحدث صدمة برغم أن هناك خطة واستراتيجية وغيرها الا ان تغيير القائد ينعكس دائما علي حماس الأفراد وسير العمل. اذا انتقلنا لمستويات أكبر كيف يؤثر ذلك علي الاقتصاد ؟ يؤثر كثيرا, فالمفروض أن يكون هناك سلوك تنظيمي يوضح أن كل مستوي له مسئول وليس كل شيء علي رئيس الجمهورية أن يتدخل بنفسه ليوجه أو يكلف, فلابد أن نتخلص من جملة بناء علي تعليمات الرئيس أو الوزير المنتشرة علي لسان العديد من القيادات بمختلف الأماكن رغم أنهم يعملون في مستويات تؤهلهم ليكونوا هم متخذه القرار وليس قرارهم بناء علي تعليمات المسئول الأعلي, فهم ليسوا منفذين ولكنهم مسئولون عن اتخاذ القرار ووضع السياسات في مواقعهم. في رأيك متي سنصل لأن نكون دولة مؤسسية وهل يحتاج الأمر لقرار من القيادة السياسية أم لثقافة عامة ؟ نحتاج الاثنان معا ولا نستطيع فصل أحدهما عن الآخر لأن اتخاذ قرار بدون تأهيل وثقافة عامة فلن تستقيم معه الأمور وسنظل كما نحن, لذلك دائما ما أكرر أن أهم شيء البدء من التعليم منذ الطفولة وللأسف سياستنا التعليمية سيئة وتنحدر بالأطفال ولا ترتقي بهم سواء من حيث الأساليب التعليمية أو المناهج أو التقييم من خلال امتحانات لا تقيس القدرات والاستفادة التي حصل عليها الطالب أو التلميذ وانما تقيس ما تم تلقينه له فقط, ففي الدول المتقدمة أو التي تسعي للتقدم الطالب يذهب للمدرسة وليس معه سوي أدوات بسيطة أما عندنا فيتم التركيز علي تكديس عقولهم بكم رهيب من الأمور التي ليس لها أهمية عند التلاميذ وفي الوقت نفسه نهمل أمورا أساسية تركز علي كيفية أن ننمي عنده كيف يكون مفكرا أومبتكرا, ومن هنا أحب أن أوجه رسالة لوزير التربية والتعليم أدعوه فيها للاهتمام الكبير بمرحلة الطفولة فليس من فراغ مقولة التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر واذا كان همنا تكوين الطفل القادر علي التفكير والربط بين الأفكار والابتكار سنتخلص من مشكلة عدم وجود قيادات. نحن لدينا مشكلة حقيقية في البحث عن القيادات المناسبة لتولي المسئولية وكذلك الصف الثاني والثالث في مختلف المجالات بسبب مشكلتنا في التعليم, ونحن في أكاديمية السادات مهتمون بهذا الأمر جدا ولدينا خطط تدريبية حول كيفية تأهيل القيادات لتولي المسئولية, كما أن بالأكاديمية مجلس استشاري للتدريب. هل لدينا مشكلة في التدريب ؟ بالفعل وهي مشكلة كبيرة, وخلال السنوات الماضية لمسنا انخفاضا في الاهتمام بالتدريب من خلال تعاملاتنا مع العديد من المؤسسات والشركات سواء الحكومية أو غيرها التي نتعامل معها, وبدراسة الأمر وجدنا أن موازنات التدريب تذهب لبنود أخري, وهذا أمر لا يحدث في الدول التي تسعي للتقدم فتنمية البشر من الأهمية بمكان بحيث لا يجب أن يتم النظر اليها علي أنها رفاهية رغم أن الاهتمام بتدريب وتنمية الموارد البشرية أهم من اعطاء المكافآت للعاملين لأن رفع كفاءتهم ينعكس ايجابا علي تحسن أدائهم فترتفع الأرباح ويستفيد الجميع في النهاية, وعلي المسئولين أن يعوا ذلك بالمنظور البعيد. ما هي المؤسسات الحكومية التي لديكم شراكات معها في التدريب ؟ لدينا شراكات مع مؤسسات حكومية كثيرة مثل مجلس الوزراء والرقابة الادارية وكذلك هناك تعاقدات مع نقابات مهنية كثيرة مثل الصحفيين والتمريض وغيرها. هل يمكن القول بأن هناك فجوة بين الشعب المصري وثقافة العمل.. وأين الأزمة تحديدا هل في الثقافة أم في النظام العام ؟ ليست فجوة ولكنها مشكلة فالجميع يطالب بحقوقه ولا يعمل وهذا علي كافة المستويات, وهي مشكلة مركبة فحتي لا نظلم الناس دعونا نعترف بأن مستويات الدخول لدينا منخفضة في مقابل مستويات معيشية في ارتفاع مستمر والجميع يريد تأمين مستوي حياة كريمة لأسرته, واذا حدث هذا التأمين فمن الواجب أن يؤدي العامل عمله بكفاءة والا فلابد أن يكون هناك اجراءات للمحاسبة بحزم, فللأسف العامل لدينا طوال مدة عمله مؤقتا يؤدي واجباته بكفاءة حتي يتم تثبيته أو تعيينه وهنا نجد انتاجيته تنخفض لأنه يضمن أن محاسبته لن تتجاوز مستوي معينا وهذه مشكلة تتطلب تفعيل الثواب والعقاب. وما هو الحل وكيف يتم تطبيقه ؟ الأزمة في أن المشكلة الاقتصادية متشعبة وليست في مكان واحد يمكن مواجهته, فللأسف لا نربي أبناءنا منذ الصغر علي تقديس العمل واتقانه الذي هو من واجبات ديننا ووطنيتنا لأن تقدم وطننا ليصبح لائقا لما نتمناه لأبنائنا لا يتأتي الا بالاخلاص في العمل من الجميع. للأسف الفساد الاداري عندنا وصل لمستويات مزعجة ومنذ فترة كنا قد عقدنا مؤتمرا بالشراكة مع هيئة الرقابة الادارية حول الفساد واثاره الاقتصادية والاجتماعية ووجدنا أنه بالفعل لدينا فساد اداري بدرجة كبيرة والمشكلة أنه متأصل منذ سنوات طويلة حتي وصل لمستوي مخيف لأنه فيما مضي كان من يرتكب فساد يخشي ان يعرف أحد بالأمر باعتبار أن ذلك فضيحة له ولأبنائنا لكن الآن الأمر وصل في المجتمع الي درجة الاعتياد وهذه قضية خطيرة, والفساد يبدأ من عدم اعطاء العمل حقه أو استخدام مبدأ علي قد فلوسهم وهو مبدأ مرفوض تماما ويصل الي الرشوة أو الفساد الاداري فكل هذا فساد متجذر خاصة في القطاع الحكومي الذي نجد به الكثير من العاملين يعتبرون ان وقت العمل هو فترة راحة بالنسبة له ليخرج يعمل في عمل آخر باعتبار أنه يضمن العمل الحكومي ولا يخشي الفصل منه وهذه الأمور لابد من التعامل معها وتقنينها. هل تتفقين مع الأطروحات المطالبة بهيكلة الجهاز الحكومي لتقليل عدد العاملين ؟ بالطبع هناك ترهل في الجهاز الاداري الحكومي ووفقا للمعلومات والأرقام المتاحة هناك علي الأقل نحو4 ملايين موظف هم زيادة عن العمالة المطلوبة, لكن هناك مشكلة أخري تتمثل في سوء التنظيم الحادث للعاملين, فالجهاز المركزي حاليا يمنع التعيينات بالجهاز الحكومي وهناك عاملون يخرجون علي المعاش وعندما نطالب بمن يقوم بعملهم يكون الرد أن نأتي بآخرين عن طريق الانتداب من جهات حكومية أخري, فهناك أماكن مكدسة بالعمالة رغم أنها لا تحتاج واذا طلبنا من العاملين الانتقال لأماكن أخري يتقاضي بها أموالا أكثر في مقابل عمل أكثر نجده يفكر فهو يريد راحة مع أموال وهذا أمر لا يستقيم وغير موجود في أي مكان بالعالم. ما هي القوانين التي تطلبينها من البرلمان القادم ؟ اولا ان يراجع قوانين الاستثمار لأن الاقتصاد ركن زاوية وأساس واصلاحه ينصلح به الحالة الاجتماعية, وعندما لا ينشغل الناس بقوت يومهم سينعكس علي رؤيتهم للمستقبل وعملهم من أجله, فضلا عن كل ذلك فان من الأهمية بالنسبة للبرلمان القادم تشريع ما يتعلق بالعلاج والمنظومة الصحية للمصريين وهو أمر أساسي يجعل المواطن يشعر ان له قيمة حيث اهتمام الدولة به وبصحته فضلا عن أنه حقه سينعكس عليه بشكل ايجابي. لديكم في أكاديمية السادات مجلس استشاري لدعم الأداء ما هو دوره تحديدا؟ لدينا عدة مجالس أولهم مجلس الأكاديمية وهو مكون من رئيس الأكاديمية ونوابه والعميد وممثلين من داخل الأكاديمية ومن خارجها من الشخصيات التي لها وضع في الجتمع كوزراء او رؤساء مجالس ادارات بنوك أو رؤساء جامعات وذلك لتبادل الخبرات, وكذلك الحال في مجالس الدراسات العليا والتدريب, ومجلس دعم الأداء والهدف من ذلك الاهتمام بالكيف وليس الكم. هل تتم استشارتكم كخبراء وأساتذة من قبل متخذي القرار في المجالات المختلفة ؟ للأسف لا يتم ذلك, لكن خلال اللقاءات سواء مؤتمرات أو ندوات علمية واقتصادية يكون بها مسئولين نقدم ما نراه مفيدا للبلد, وفي لقاء أخير مع الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط باعتبار أن مجلس الأكاديمية أصبح يتبع الوزارة قلت له ان هناك كما كبيرا من رسائل الماجستير والدكتوراه, وفي تخصصات ادارية مختلفة تتناول مشكلات واقعية وطرق حلها وفقا لدراسات ميدانية وفي النهاية مصيرها المكتبات ليستفيد منها باحث آخر في دراسة أخري ولا تجد للواقع سبيلا, وبالفعل الوزير أكد أن من ضمن خطة وزارته الجديدة أنه سيستعين بخبراء وبحوث الأكاديمية الفترة القادمة كاستشارات وبحوث وغيرها. وهل هناك استشارة تمت فيما يتعلق بقانون الخدمة المدنية الذي تم الاعلان عنه ثم التراجع ثم التأكيد علي تطبيقه رغم المشكلات التي أثارها ؟ في بعض الأحيان يوجد ضرورة للدواء المر, وهناك اصلاح يري العديد من الخبراء أنه لن يتم بغير هذا القانون, واذا كنا نخطط ل2030 فلابد من الرؤية المستقبلية وليس النظر تحت أقدامنا فقط, ومصر حاليا في مرحلة حرجة ومستقبل أبنائنا يتطلب تقديم تضحيات من الجميع لننهض ببلدنا لتكون كما نتمناها للأجيال الجديدة.