حملت نتيجة الانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا هذا الأسبوع, ارتفاع نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية إلي5,49% خلافا لكل التوقعات واستطلاعات الرأي التي توقعت أن يحتفظ حزب العدالة والتنمية بنسبته السابقة41% أو يزيد عليها قليلا. وقد أرجع الكثير من المحللين المتخصصين في الشأن التركي هذا الفوز, إلي حالة الاضطراب وعمليات الإرهاب التي وقعت في تركيا خلال الشهور الماضية, والتي تزامنت مع إنهاء مسيرة السلام مع حزب العمال الكردستاني والتحول إلي القتال مرة أخري, بالإضافة إلي ما تصاحب مع ذلك من تراجع واهتزاز اقتصادي, أدي في نهاية المطاف إلي حسم المترددين لمواقفهم وتصويتهم لما تصوروا أنه سيجلب الاستقرار عبر العودة إلي تمكين حزب العدالة والتنمية من الحكم منفردا لفترة أربع سنوات جديدة, بعد أن قضي13 عاما في الحكم حتي الآن. لا يخفي علي المتابعين أن المناخ الذي جرت فيه الانتخابات كان من صنع أردوغان نفسه, حيث قام بإفشال عملية تكوين الحكومة الائتلافية, لكي يعود إلي انتخابات مبكرة جديدة, الأمر الذي عبر في الحقيقة عن رفضه لنتيجة الانتخابات طالما أنها لم تأت في صالحه, وقام في هذه الأثناء باستخدام كل سلطات الدولة والصلاحيات المخولة لها, لخلق صورة الفزع وعدم الاستقرار علي جبهة التعامل مع الأكراد وأيضا إرهاب داعش وتراجع الاقتصاد, وروج بشكل متكرر وبالغ الإلحاح أن هذه هي النتائج المترتبة لعدم تشكيل حزبه للحكومة بشكل منفرد, وقال بأن علي الناخب أن يختار.. وفي الوقت نفسه قام بالتنكيل بخصومه السياسيين واتخذ إجراءات تعسفية ضد كل وسائل الإعلام غير الموالية له, واستخدم التلفزيون الحكومي لصالح حملة حزبه وتجاهل الأحزاب الأخري, وهذا ما دفع بعثة مراقبي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية إلي القول بأن هذه الانتخابات غير عادلة وجرت في أجواء تتسم بالخوف والعنف وتفتقر إلي النزاهة. ورغم أن نتائج هذه الانتخابات سوف تمكن حزب أردوغان من الحكم منفردا, إلا أنها ليست كافية لكي يقرر منفردا تغيير الدستور إلي النظام الرئاسي بشكل مباشر عبر التصويت في البرلمان, أو حتي مجرد طرح مطلب تغيير الدستور علي استفتاء شعبي, إذ إن هذا بدوره سوف يضطره للسعي إلي الحصول علي دعم وتأييد لهذا المطلب من نواب الأحزاب الأخري, وهو أمر مازال مستبعدا بالنظر إلي وصف النتائج من زعيم الحزب الجمهوري بأنها كارثية. ورغم ذلك فإنه بدأ يتصرف فورا باعتباره سلطانا حيث هرع بمجرد إعلان النتائج لزيارة قبر أبي أيوب الأنصاري في إحدي ضواحي إسطنبول تبركا علي عادة السلاطيين العثمانيين في بداية توليهم لمقاليد الحكم. إن الظاهر في هذه الانتخابات أن أردوغان قد فاز, إلا أن المتأمل في عمق التفاعلات التي تجري في تركيا, يدرك أن النموذج التركي القائم علي احترام الديمقراطية والازدهار الاقتصادي قد خسر وتراجع, فأردوغان يتحول بتركيا نحو حكم الحزب الواحد, عبر سحق المعارضة وخنق الصحافة وقمع المطالب الكردية والمزيد من التورط في الأزمة السورية, وهي أمور تلقي رفضا عميقا من كل الشرائح التي لم تصوت لحزبه.