لم تأت نتائج المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية بالكثير من المفاجآت.. لكنها تجربة فريدة.. نحتاج تدبرها قبل موعد الجولة الثانية.. ولعل نسبة التصويت فيها والتي تجاوزت26%, هي نسبة مقبولة في ظروف الانتخابات التي أجريت فيها. نعم.. هي نسبة جيدة لعدة أسباب.. منها أن الناخب المصري وقع فريسة لترنح القوي السياسية, وعدم قدرتها علي شق مسار سياسي جامع في فترة الاستعداد الطويلة.. وهو ما ينفي ذريعة الوقت الضيق.. في الوقت الذي يظهر مسئوليتها عن افتقارها للرؤية القومية واستغراقها في الرؤية الذاتية. وهي رؤية ضيقة, لأنها تفتقر لمسوغات التأييد لأي ناخب.. الذي حتما سيسأل: ماذا لدي تلك الأحزاب الكثيرة لتقدمه متميزة عن بعضها البعض؟ نحن نفهم أن الاتجاهات المتنوعة هي التي تستدعي التعددية الحزبية, والتمايز يحتم وجود اتجاهات يمينية أو وسطية أو يسارية.. وفي كل جناح مقبول أن يحدث بلورة ما يسمي بيمين أو يسار الوسط. نحن إذا نتحدث عن تيارات متعارف عليها ديمقراطيا للعمل في السياسة.. لا تزيد بالقطع عن ستة تيارات في أكثر الأحوال مبالغة.. حتي إذا أفردنا للتيارات الدينية مسارا منفردا. وعليه فقد كان واجبا علي تلك القوي, حتي لا تربك الناس, أن تدرك أن بلورة التيارات الرئيسية في العمل السياسي كان يحتم عليها أن تخرج لنا ستة أحزاب علي أقصي تقدير.. هذا إن قبلنا بقدرتها الحقيقية علي أن تظهر قدرتها علي تقديم برامجها متطابقة مع أفكارها السياسية ومنهجها في الشارع المصري, والذي يجب أن يكون, بدوره, مؤسسا علي أيديولوجية سياسية واضحة.. قد تكون اليمين أو الوسط أو اليسار.. أو أي مستوي بينهم. والذي حدث أن القوي السياسية قد أفلت منها عنصر المنهجية.. وغاصت في سطحية الرغبة البحتة في أن تكون تحت لواء مسمي حزبي.. ولو كان خاليا من أي تمايز عن غيره.. ولو كان غير مدعوم بأي قاعدة شعبية ذات تأثير. من الطبيعي ألا يحفل المواطن المصري بالأحزاب التي تجاوزت تعدادها المائة.. إلا قليلا.. للبعض منها الذي يتسم بقدر من العراقة وقدر من الموضوعية.. وهم قلة قليلة ووجودها الشعبي ليس قويا بالقدر الكافي لكي يكفل لها حضورا انتخابيا طاغيا. وهنا سقط المواطن في فخ الأحزاب الضائعة الهوية من ناحية, ومن الناحية الأخري.. كانت هناك فئة المستقلين, التي أتت بالعديد من الوجوه المكررة.. ومعها نذر التوجس من تكرار تجارب العهد البائد. ثم إننا لا نغفل عما أفرزه التناول الإعلامي من مساوئ التيار الديني السياسي المتطرف.. مما أحدث أثره في نفوس الكثيرين من المتعاطفين, الذين توجسوا شرا من احتمالية تكرار وجوه آلمتنا كثيرا في برلمان ما بعد ثورة يناير.. ولديهم كل الحق.. كما وجد الكثيرون أنفسهم أمام عشرات المرشحين غير المعلومين لهم.. وليست هناك آلية منضبطة لتقديمهم للناخبين.. مما أوجد حالة ضبابية, آثر معها البعض أن يشاهد بدلا من أن يشارك. الحقيقة أن المجتمع المصري لو أراد الديمقراطية.. فالبرلمان مدخله.. الناخب هو الكارت السحري لدخوله.. والبرلمان هو محرك فعالية وشرعية السلطة التنفيذية.. وتوجهه للتصويت هو وسيلته الأنجح لكي يظهر تعاطفه أو حتي نفوره من سياسات الحكومة.. وربما تغييرها إن لزم الأمر. نعم.. البرلمان هو الوسيلة الشعبية الأقوي لكي يستعيد المواطن المصري أمر شئونه.. وهي رسالة لكل مصري في المرحلة القادمة.. لا تتخلي عن حقك في تشكيل سياسات وطنك. خبير في الإصلاح المؤسسي