في ستينيات القرن الميلادي العشرين كان التدريب الصيفي أمرا أساسيا لطلاب كليات الهندسة, وكان بعضنا يتدرب في الشركات والمؤسسات المحلية وبعضنا الآخر يسافر للتدريب في الشركات الأوروبية. حكي لي زميل ذهب للتدريب في ألمانيا ما استوقفه من تعليق رئيسه الألماني لا يزال يذكره رغم مرور قرابة نصف قرن عليه. سأله ذلك الرئيس لماذا أتيت إلي ألمانيا فقال له للعمل وللسياحة وجمع بعض المال فما كان من الألماني إلا أن ضرب بعزم يده علي الطاولة وقال له نحن هنا نعمل لعظمة ألمانيا! هل صادف أحدنا هذا الموقف في مصر وليس في ألمانيا؟ قد يتخيل أحدنا أن تلك القصة غير واقعية ولكنني أدعوكم لتسألوا من عاش في ألمانيا لتعرفوا مدي تمسك ذلك الشعب بهويته, ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن تساءلنا من أعظم من أنجبته ألمانيا لنجد إجابة الألمان واحدة شريطة ألا يكون السؤال في العلن! لا يمكن أن نخطئ ما قام به هتلر من جهد لبناء دولة من تحت الأنقاض لتحارب العالم ثانية, كما لا يمكننا أن نخطئ ما قام به تشرشل في وأد الحلم الألماني! ونحن بين هذا وذاك يجب ألا ننسي معركة العلمين الثانية التي بدأت ليل23 أكتوبر عام1942 ولا أن ننسي أن حكوماتنا المتعاقبة لم تستطع حتي اليوم أن تجبر إنجلتراوألمانيا علي إزالة الألغام اللاتي زرعاها في أرضنا وأتت علي حياة العديد من مواطنينا وأعاقت آخرين وأخرجت سلة غلال روما من خريطة التنمية! ولنتساءل ما سبب بل وما ثمن ذلك السكوت المخزي لحكوماتنا المتعاقبة؟ ألا يتعلق الأمر بإرادة وفكر حاكم افتقدناه وآن لنا أن نحلم به, مجرد أن نحلم به! لقد عشنا أساري أغان ترويحية كان السهر فيها حتي الصباح علي حساب تزوير التاريخ. لقد محوا اسم محمد نجيب أول رئيس جمهورية في مصر من ذاكرة الشعب لدرجة أن مجرد ذكر اسمه ولسنوات كان مدعاة لتوجس الأمن. ومع استبدال اسم آخر باسم اللواء محمد نجيب ومع كثرة تداول المعلومة نسيت الغالبية الحقيقة لنصحوا يوم4 يونيو1967 علي أن مياهنا منتهكة وفي اليوم التالي ندرك أننا هزمنا ممن أعطيناها فترة الحضانة حين كان عمرها أربع سنوات! في خضم عفن فكري خابرناه يجب ألا ننسي أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. بتوفر هدف حقيقي وإرادة وقدوة يمكن أن تكون مصر كما نحلم بها في عدد من السنوات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة, ولنا في الهند والبرازيل نبراس. وحتي لو لم تتوافر البنية الأساسية في بعض الأماكن يمكن بالإرادة والقدوة فعل المعجزات. الإرادة هي الإرادة الجمعية التي لا يعيقها من هو أعلي منها, أقصد إرادة المؤسسة الحرة الواعية. لن ننتظر حتي نصل لوضع الدول الأوربية حتي ندخل السباق لأنه وقتها ستكون الحلبة قد تم تصفيتها. المطلوب فقط إرادة الفرد التي لا تعيقها إرادة المؤسسة مهما كانت: كلية, جامعة, شركة, وزارة, دولة. ولنتذكر أن ستالين قاد روسيا من دولة زراعية إلي أن أصبحت ندا صناعيا وعسكريا لأمريكا ودول الغرب في بضع سنين, وقاد راجيف غاندي الهند من مجتمع يموت فيه الناس جوعا في الشوارع إلي مجتمع صناعي زراعي يصدر القمح في أربع سنوات. الأمثلة عديدة لمجتمعات كانت مشاكلها أكبر من مشاكلنا واستطاعت أن تنهض في بضع سنين. لعلنا نتذكر كلمات الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت: اعتقد أنك تستطيع القيام بالعمل, تكون بذلك في منتصف الطريق للوصول لغايتك. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]