صرح الرئيس الجديد لشركة فولكس فاجن بأن شركته تمر بتهديد لوجودها, ولا عجب فالشركة الألمانية التي تصدر للعالم كل عام أكثر من عشرة ملايين سيارة ويعمل بها حوالي سبعين ألفا وتنتج عائلة كبيرة من المركبات- أشهرها جولف وباسات وجيتا وأودي وسكودا وسيات وبيتلز- تمر بأكبر أزمة في تاريخها العريق البالغ ثمانية وسبعين عاما بسبب فضيحة الخداع البيئي. ولكن كيف حدثت الفضيحة؟.. قانون الهواء النظيف الأمريكي يضع معايير بالغة الصرامة للحد الأقصي للإنبعاثات الغازية من عوادم مركبات الديزل(31 مجم لكل كيلومتر علي الطريق لأكسيد النيتروجين), وتضع الدول الأوروبية قوانين أخري حازمة لكنها أقل صرامة(80 مجم).. احادي أكسيد النيتروجين هو احد اهم الغازات المنبعثة من عوادم عربات الديزل وعندما يتفاعل مع مركبات عضوية أخري تحت أشعة الشمس ينتج عنه أوزون أرضي وهو مركب يؤثر علي كفاءة الرئة للكبار ويتسبب في أزمات ربوية ونزلات شعبية للأطفال والشيوخ, كما انه احد الغازات المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري. وتقوم وكالة حماية البيئة الأمريكية باختبار مركبات الديزل للتأكد من مطابقتها للمعايير ويتم الاختبار في المعمل والمركبة في حالة سكون. وهنا تفتق ذهن بعض المسئولين في شركة فولكس فاجن علي الالتفاف حول تلك الاختبارات بواسطة جهاز متطور يرتبط ببرنامج كمبيوتر يسميdefeatdevice يتم إخفاؤه داخل مركباتهم. وعندما تكون المركبة بالمعمل وتحت الاختبار يدرك الجهاز ذلك ومن ثم يتحكم في كمية الانبعاثات الغازية ليجتاز الاختبار, ولكن متي انطلقت المركبة مرة أخري علي الطريق فهي تطلق إنبعاثات غازية تصل الي أضعاف الحد المسموح به. بهذا استطاعت شركة فولكس خداع وكالة حماية البيئة الأمريكية والعديد من أجهزة البيئة في الدول الأخري لست سنوات كاملة حصدت خلالها أرباحا طائلة, ذلك ان الوفاء بالمتطلبات البيئية كان سيقتضي التضحية إما بكفاءة استهلاك الوقود أو التكلفة الرأسمالية للمركبة ومن ثم يقلل من القدرة التنافسية للشركة, فالجشع والرغبة في زيادة الأرباح هو ما حدا لهذا الخداع. بدأت بوادر انكشاف الخدعة عندما ادركت وكالة حماية البيئة الأمريكية من خلال فحص قام به خبراء مستقلون بجامعة ويست فرجينيا ان الانبعاثات الغازية في أثناء السير علي الطريق تعطي نتائج تختلف جوهريا عن نتائج الاختبارات في المعمل ومن ثم بدأت الوكالة في استجواب شركه فولكس وهددت بسحب موافقتها علي بيع عرباتها في الولاياتالمتحدة لعام.2016 وفي22 سبتمبر الماضي وتحت الضغط اضطرت الشركة ان تعترف علنيا بتفاصيل الخدعة وتتقدم باعتذار. توابع الفضيحة لن تنتهي ببساطة فمنذ ذلك التاريخ فقد سهم فولكس فاجن اكثر من ثلث قيمته واستقال رئيس الشركة وهناك تقديرات بغرامات مالية من وكالة حماية البيئة الأمريكية تصل وحدها الي18 مليار دولار وذلك عن نصف مليون مركبة ديزل مخالفة. أما الخسائر الاجمالية بقيمة الفضيحة فمن الصعب التكهن بها بدقة فهناك11 مليون مركبة ديزل أخري في جميع أنحاء العالم ومن المتوقع رفع قضايا وغرامات تعويض من دول اخري بل وايضا من اصحاب المركبات والمستثمرين( واكبر المستثمرين بالمناسبة هم الحكومة القطرية التي تمتلك18% من أسهم الشركة). تأثرت سمعة الشركة ومصداقيتها وامتدت لتشمل الصناعة الألمانية الشهيرة بعبارة الجودة صنع في ألمانيا. الدرس المستفاد: ما دامت العقلية التي تقدس الربح هي المسيطرة علي الأسواق فسنجد أساليب للخداع التجاري تتطور مع التطور التكنولوجي الهائل, وربما يخطر للبعض ان يسأل أين نحن في بلادنا من قضايا الهواء النظيف؟ وأيضا من وسائل الغش التجاري المتطورة؟