نحن جمعيا ندين حادث الإسكندرية الإرهابي الأخير, وننعي كل الذين استشهدوا فيه من المصريين, ونقدم تعازينا إلي أسرهم وذويهم, وإلي كل أبناء مصر الحبيبة. إن هذه الأعمال الإرهابية ليست من طبيعة شعبنا المؤمن بعموم الاختلاف بين الأفراد وتعاون الأمم, وليس مدعاة إلي التصادم والصراع بينهم. فقد شاءت سنة الله في الخلق أن تختلف الأمم في الثقافات والأعراف والحضارات, وهذا أمر واقع لابد من الإقرار به, والتعايش معه, وهو حقيقة قائمة, وسنة من سنن الحياة.علي أن هذا الاختلاف يجب أن يكون دافعا للتعاون والتقارب, وليس سببا للصراع والتصادم, وعليه فإني لست مع القائلين بنظرية صراع الحضارات كما جاء في كتاب هنتجتون, ولكني علي يقين يجدوي وفاعلية تعاون الحضارات علي اختلافها وتباينها.وكما تختلف الأمم يختلف أيضا الأفراد في إطار الأمة الواحدة أو الشعب الواحد أو الحضارة الواحدة, وهذا الاختلاف يشمل الاختلافات الجسيمة والطبيعية كما يشمل أيضا الاختلافات الأخلاقية والعقائدية, وسبحان الله الذي خلق كل إنسان متفردا ببصمة إصبع, وبصمة عين, وبصمة صوت, وبصمة حمض نووي وغيرها مما لا يشترك معه فيها أي إنسان آخر في مكان آخر, أو زمان آخر, وكما يلزم أن يكون اختلاف الأمم دافعا للتعاون والتقارب, وليس سببا للصراع والتصادم فإن اختلاف الأفراد أيضا يجب أن يكون دافعا للتعاون والتسامح والمحبة, وليس سببا للعدوان والمشاحنات والعصبية.نظرية الاختلاف قائمة إذن علي عمومها بين الأمم والحضارات, كما أنها قائمة بين أفراد الأمة الواحدة, وما ذلك إلا لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالي, وهي تعميق التعاون والتعارف والتقارب بين الحضارات المختلفة, والأفراد المختلفين. فاختلاف الأمم في تقدمها العلمي, وفي ثرواتها الطبيعية, وفي إمكاناتها الصناعية والزراعية وغيرها, هو أدعي للتعاون بينها ليكمل كل منها الآخر, وبذلك يتحقق الرخاء الشامل, والسلام الكامل بين الأمم. واختلاف الأفراد في إمكاناتهم المادية والمهنية والعلمية والجسمية والصحية هو أيضا أدعي للتعاون بينهم ليكمل كل منهم الأخري, وبذلك أيضا يتحقق الرخاء الشامل, والسلام الكامل بين أفراد الأمة الواحدة. ننتقل الآن إلي خصوص اختلاف الأديان. خلق الله الكون علي مبدأ التسليم الكامل, والعبودية الكاملة لله سبحانه وتعالي, وخلق الإنسان وكرمه دون سائر المخلوقات بنعمة الاختيار, ومنها اختيار ما يؤمن به من عقيدة, فهذا مسلم, وهذا مسيحي, وهذا يهودي, وهذا بوذي, وذلك هندوسي, وشاء الله عدم إكراه أي من خلقه علي دين معين, أو عقيدة معينة. وكما شرع الله اختلاف الأمم في ألسنتها وثقافتها, وشرع اختلاف الأفراد في طبيعتهم وألوانهم وقدرتهم شرع الله أيضا اختلاف الأفراد في عقيدتهم وديانتهم. معني ذلك أنه لا يحق لأمة أن تلعن أختها وتفترض أنها هي فقط التي علي الحق والصواب, وما دونها باطل وخطأ, كما لا يحق لفرد مهما كانت ديانته أن يفترض أنه هو فقط علي الحق والصواب, ومن ليس علي دينه فهو في ضلال ومنحرف عن الصواب, فالله وحده هو الذي يحكم في هذا الاختلاف, بل العكس فرض الله علي الأمم أن تتعاون علي البر والتقوي وخير البشرية مع اختلافها في الأديان, بل حرم علي المسلمين التعدي بالسب أو غيره للذين يعبدون من دون الله. وعليه فلنذكر دعوة الله لمن يتبعون منهجه إلي المودة والتراحم بين أفراد الشعب الواحد علي اختلاف مذاهبه, وعقائده, وأفراد الشعوب المختلفة علي اختلاف مذاهبها وعقائدها.خلاصة القول إن الأديان جميعا, وإن اختلفت في العقيدة( وهي تختص بعلاقة الفرد بربه) فإنها جميعا لا تختلف في الأخلاقيات( وهي تختص بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان). جميع الأديان تدعو إلي التسامح والتعاون والمحبة وحسن معاملة الجار, وتدعو إلي عدم القتل, وعدم الزنا, وعدم السرقة, وعدم الكذب, وعدم السب. فتعالوا جميعا نتفق علي ما اتفقت فيه الأديان جميعا من أخلاق وتسامح وتعاون ومحبة, وندع ما تختلف فيه الأديان من عقيدة, فهي من شأن الفرد مع ربه يحكم فيها الله كما يشاء, وقتما يشاء, ومكان ما يشاء, وليكن شعارنا أن اختلاف الأديان في العقائد هو من شأن الفرد وربه أما اتفاق الأديان في الأخلاقيات فهو ما يعنينا كمجتمع واحد, وكوطن واحد. خبير الشئون النووية والطاقة كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية( سابقا)