نعم رب ضارة نافعة نقولها رغم ما يعتصرنا من ألم وما نحس به من حزن وما نستشعره من مشاعر لوعة الفقدان لأخوة أعزاء وأشقاء فى الوطن استشهدوا دون ذنب أو جريرة سوى أنهم كانوا يعبدون الله فى بيت من بيوته حين تعرضت كنيسة القديسين بالإسكندرية لجريمة نكراء دنيئة لا يقرها دين أو خلق لتحصد أرواحا بريئة كانت تصلى لله فى الساعات الأخيرة من عام مضى ولتستقبل عاما جديدا يحمل إليها عيد الميلاد المجيد ذلك العيد الذى أصبح عيدا لكل المصريين وليس أدل على ذلك من أن بعض المسلمين قد شاركوا إخوانهم من الأقباط مصيرهم المحتوم حيث اختلطت دماؤهم وأشلاؤهم لتؤكد هذا التوحد الذى تجاوز الأجساد إلى توحد الأرواح فى لحظة لقائها بربها سبحانه وتعالى عما يفعل المجرمون الآثمون، وكأن الأقدار شاءت فى هذا المشهد المهيب أن تثبت لهؤلاء المارقين ممن سولت لهم أنفسهم المريضة فعل هذه الجريمة الشنعاء بأن المصريين جميعا رغم كل ما حدث هم نسيج واحد سوف يظل كما كان دائما عبر أكثر من ألف عام درعا واقيا لمصر من كل هذه المحاولات اليائسة لزعزعة استقرارها أو تهديد أمنها، رغم كل ذلك من آلام موجعة ومرارة عصيبة فإن عزاءنا الوحيد هو أن هذه المحنة التى تعرضت لها مصر كانت سببا مباشرا لأن يظهر الانتماء الوطنى لهذا الشعب العظيم حيث تجلى واضحا معدنه الأصيل فى الخطاب المؤثر الذى ألقاه الأب العطوف لكل المصريين الرئيس حسنى مبارك بعد ساعات قليلة من وقوع هذه الفاجعة التى أصابتنا جميعا ولم تخص أحدا بعينه، وقد تضمن الخطاب عزما أكيدا من الرئيس على الثأر لأرواح أبنائه ممن استشهدوا فى هذا الحادث الأثيم وتصميمه على التصدى للإرهابيين بقوله سوف نقطع رأس الأفعى المتربصة من خارج الوطن للنيل من شعبنا المصرى وتمزيق وحدته. كما أكد الرئيس أن الإرهاب لن يحقق هدفه مادام شعبنا متسلحا بوحدته الوطنية، وللحقيقة أن كل الشواهد التى أعقبت هذا الاعتداء الغاشم أثبتت بالدليل القاطع حرص هذا الشعب المؤمن على وحدته الأبدية ورفض تحقيق هدف الإرهابيين ببث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد استلهاما لدعوة الرئيس مبارك فى خطابه. وقد ترجم ذلك خلال الوقفات المنددة بهذا الاعتداء والمظاهرات المستنكرة لما حدث والتى اجتاحت كل أرجاء الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. وكان المشهد رائعا حين رفع الصليب وإلى جواره الهلال وهتف الجميع بندائهم الخالد «عاش الهلال مع الصليب» وذلك لاستعادة الروح الوطنية التى واكبت كل حركات التحرر على مدى التاريخ من أجل رفعة الوطن واستقلاله. وإذا كان هناك من ينادى بأن نتجاوز الشعارات إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع وله فى ذلك بعض الحق إلا أن هذا الحادث الطارئ كان فرصة لإثبات أن هذه الشعارات مستوحاة من مشاعر حقيقية صادقة وراسخة وقد تكون تأثرت يوما ببعض الظروف العابرة إلا أنها تظهر وقت الشدائد. وها هىذى قد ظهرت فى الدعوة الجادة التى أطلقها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بتكوين «بيت العائلة المصرية» وقد باركها قداسة البابا شنوة فى حضرة جموع القساوسة بالكرازة المرقسية ومعهم المفتى ووزير الأوقاف وهى دعوة للاتحاد بين المسلمين والأقباط من خلال حكمائهم وعقلائهم وتفعيل ما بينهم من أواصر تاريخية للقضاء على التعبيرات الدخيلة على شعبنا الواحد مثل الاحتقان الطائفى أو الفتنة وغيرهما مما استجد بفعل المغرضين والكارهين لرفعة هذا الوطن وطرح ما يمكن أن يكون فى نطاق الخلاف أو الاختلاف على طاولة التفاهم الذى يبتغى وئام الوطن ورخاءه. ولم تقتصر الدعوات الإيجابية على المستوى الرسمى وإنما أيضا على المستوى الشعبى مثل المشاركة الوجدانية للرموز الوطنية من كلا الجانبين للصلاة فى الكنائس والمساجد كما كانت وقفة نشطاء «الفيس بوك» فى دعوتها للتبرع بالدم لمصابى الحادث من مسلمين وأقباط وكذلك وقفة كل القوى الوطنية التى استنكرت العدوان على مصر فى مطلع العام الجديد والمظاهرات التى قام بها المسلمون فى شبرا مع إخوانهم فى الوطن مرددين لن ندع الإرهاب يفرق بيننا ويهدد أبناءنا. ومن أبلغ ما قيل فى هذا الصدد قول الأنبا موسى أسقف عام الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية الذى رفض لفظ الفتنة الطائفية مقررا أن ما حدث هو اعتداء على مصر بكاملها وفاعلوه ليسوا مصريين وليسوا مسلمين وقرأ الآية الثانية والثلاثين من سورة المائدة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» وعقب قائلا هذا هو الإسلام الذى نعرفه. ونحن بدورنا نكرر رغم ما فى القلب من صدمة وما فى النفس من غصة إلا أنه رب ضارة نافعة وعلها تكون كذلك ليعم السلام والطمأنينة كل أرجاء مصرنا الحبيبة.