بعد عام الحزن الذي توفيت فيه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها, وعمه أبو طالب, وكان كل منهما سندا له, في دعوته للإسلام, رفع الله تعالي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم, وحبيبه من دنيا الشرك والضلال وإيذاء المشركين له إلي ما فوق السماوات السبع, وعرض الرحمن حيث سجد تحته شكرا وعرفانا لله جل وعلا ليريه آيات إعجازه, وليطمئن قلبه علي هدايته له, ويصبر ليتم دعوته كما أراد الله له. يقول تعالي:( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الإسراء/1, وقد فسر الإمام السيوطي هذه الآيات فقال( في تفسير وبيان مفردات القرآن):( سبحان الذي) أنزه الله تنزيها وتعجبا من قدرته و( أسري بعبده), جعل البراق يسير بالنبي صلي الله عليه وسلم ليلا( لنريه) لنرفعه إلي السماء فنريه( من آياتنا), ما فيه من العبر من عجائب الخلق, وما فيه من أدلة القدرة الباهرة. فقد أسري برسول الله صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكةالمكرمة إلي المسجد الأقصي, ثم عرج به إلي ملكوت الله في السماوات السبع حتي سدرة المنتهي, هذا وقد اختلف في تعيين زمن الإسراء والمعراج, ولكن الغالب أنه كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من السنة العاشرة من النبوة, وفي السيرة النبوية لابن اسحاق في رواية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وعند البخاري ومسلم في الصحيحين, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, وعند القرطبي في تفسيره( سورة الإسراء) في حديث عن أبي سعيد الخدري وغيرهم, ما مضمونه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إنه أتي بالبراق, وهو الدابة فوق الحمار, ودون البغل يضع حافره عند منتهي طرفه, وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء, فحمل عليها, ثم أتي بيت المقدس فصلي بالأنبياء إماما وهم: إبراهيم, موسي, عيسي, ونفر من الأنبياء, عليهم السلام ثم أتي بثلاثة آنية فيها خمر, وماء, ولبن, فاختار اللبن وشربه فقال له جبريل عليه السلام: هديت وهديت أمتك يا محمد. وكان صلي الله عليه وسلم في إسرائه إلي المسجد الأقصي في حديث عن أبي سعيد الخدري في تفسير القرطبي عند( سورة الإسراء): فسمعت نداء عن يميني: يا محمد علي رسلك حتي أسألك فمضيت ولم أعرج عليه, ثم سمعت نداء عن يساري: يا محمد علي رسلك حتي أسألك فمضيت ولم أعرج عليه, ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول: علي رسلك حتي أسألك فمضيت ولم أعرج, فلما سأل جبريل عليه السلام قال: ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك, أما النداء الذي علي يساره فقال له جبريل ذلك داعي النصاري, أما إنك لو وقفت لتنصرت أمتك. أما عن المرأة فقال جبريل: تلك الدنيا ولو وقفت لاخترت الدنيا علي الآخرة.قطوف من معراج رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي صلي الله عليه وسلم في معراجه كما قال تعالي( لقد رأي من آيات ربه الكبري) النجم/.18 وقد ذكر ابن اسحاق في السيرة وغيره قال:(.. عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لما فرغت مما كان في بيت المقدس, أتي بالمعراج, ولم أر شيئا قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم إذا حضر, فأصعدني صاحبي فيه, حتي انتهي إلي باب من أبواب السماء, يقال له: باب الحفظة عليه ملك من الملائكة, يقال له إسماعيل تحت يده إثنا عشر ألف ملك, تحت يد كل ملك منهم إثنا عشر ألف ملك يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث, وما يعلم جنود ربك إلا هو..).