ابتلي الإسلام بفئة ضالة من أبنائه, فهموا رسالته السمحاء خطأ, وبدلوا وسطيته واعتداله إلي تطرف وغلو.. فرأينا القنابل تزرع والرءوس تقطع والمنشآت تدمر وتخرب.. وكله بزعم الدفاع عن دين الله الخاتم ونبيه الكريم. ومن المؤكد أن هناك قوي خارجية لا تريد للإسلام والمسلمين خيرا.. وتعمل علي محاربة انتشاره بكل السبل, ففي الغرب حيث انتشار ظاهرة الإسلامو قوبيا.. والكيل بمكيالين.. يتوافر المناخ لنشر التعصب والأفكار التكفيرية والجماعات الإرهابية.. وفي الشرق تقاطعت مصالح بعض التنظيمات الإسلامية مع أعداء الدين الحنيف.. فأوغلت في قتل الأبرياء وسفك الدماء, وترويع الآمنين, ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا. السطور التالية محاولة للوقوف علي مسببات التطرف وسبل التصدي له. يقول الدكتور عادل المراغي إمام مسجد النور بالعباسية إن مواجهة الأفكار المتطرفة يتوقف علي معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلي نشر التطرف الفكري والفهم المنقوص للإسلام, ومن أهمها عدم فهم الإسلام فهما حقيقيا, والاكتفاء بالقشور فقط, وهذا كان سببا للتطرف الفكري في العصر الأول في عهد الخوارج, وهنا يتأتي دور العلماء في إظهار محاسن الدين واحتواء الشباب الطائش, وعدم تركه فريسة للجماعات المتطرفة إلي جانب إقامة الندوات الدينية والتثقيفية في مراكز الشباب, وتفعيل دور المسجد وقيام الأزهر بدوره التنويري والفكري. أما السبب الثاني فينحصر في النزاعات السياسية والمعالجة الأمنية دون النظر للمعالجة الفكرية فالفكر لا يعالج إلا بالفكر, وهذا ما حدث أيام جماعات التكفير والهجرة, وكان ينبغي أن يعالج هذا الفكر التكفيري بعقد المناظرات والمراجعات عن طريق علماء الأمة, وهذا أيضا يتطلب من القادة والساسة عدم الاكتفاء بالقبضة الأمنية فقط رغم أنها لازمة, ولكن ينبغي أن تتعاون أجهزة الدولة في القضاء علي الأفكار المتطرفة والتكفيرية, وتتمثل هذه الأجهزة في وزارة الأوقاف والأزهر الشريف من خلال المنبر وأنشطة الإعلام من خلال قنواته المرئية والمسموعة والصحف, بالإضافة للجانب الأمني المتمثل في وزارة الداخلية, وكذلك دور وزارة الشباب والرياضة المتمثل في تفعيل دورها المهم في احتواء الشباب, وعقد الندوات لهم وتوجيهم إلي الطريق الصحيح. ويري المراغي أن تضييق الغرب علي الإسلام, وما يعرف بالإسلاموفوبيا وسياسة الكيل بمكيالين وأدي إلي مولد الجماعات التكفيرية كداعش والقاعدة, وغيرها من جماعات الإسلام السياسي, وهذا السبب في التطرف الفكري يتطلب من الدول الإسلامية أن تكون لها كلمة مسموعة في مجلس الأمن للضغط علي اللوبي الصهيوني العالمي الذي يسعي إلي تشويه الإسلام. أيضا يتعين علي الأزهر الشريف القيام بدوره من خلال البعثات التنويرية لتصحيح صورة الإسلام, وأن يكون المبعوثون علي قدر كبير من التأهيل والكفاءة العالية من الثقافة, وإجادة اللغة التي يتحدث بها الغرب. ويضيف أن غياب دور العلماء والدعاة وانشغالهم بشئونهم الشخصية أدي ذلك إلي ظهور هذا النبت الشيطاني الذي ترعرع, واستوي علي سوقه في سيناء, وبلاد الرافدين, وغيرها من الدول, ويري أن غياب دور العلماء مؤامرة دبرت بليل لأنه لو صلح العلماء لصلح الأمراء, ولو صلح الأمراء لصلحت الرعية, وهذا يتطلب من مؤسسات الدولة النظر إلي العلماء علي أنهم نجوم الهدي ومصابيح الدجي, والنظر إلي أوضاعهم المالية والمادية حتي يتفرغوا للنهوض بالمجتمع, والقيام بواجبهم فإذا تفرغ العالم لمهمته, ولم ينشغل بقوت يومه قام بواجبه علي أكمل وجه. ويشير الدكتور إسلام النواوي من علماء وزارة الأوقاف إلي أن من جملة الأسباب التي أدت ظهور الأفكار المتطرفة التعامل مع الإسلام علي أنه للآخرة, وليس للدنيا علي الرغم من أن الإسلام عرض القضية بأن الله طلب عمارة الأرض من الانسان في قوله تعالي هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فأصبحت عمارة الأرض عبادة مثل الصلاة, وقبل أن نعلم الناس الموت في سبيل الله يجب أن علمهم أن الموت في سبيل الله تسبقه حياة في سبيل الله غير أن البعض يوظف قضايا الدين, وعلي رأسها الجهاد فأصبح شائعا في ذهن الكثيرين أن الجهاد في الإسلام قائم علي قطع الرقاب لكن هذا خطأ لأن الجهاد في دين الله إعمار وليس دمارا رفعا للظلم, وليس تحقيقا للظلم, ويدل علي ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله فكيف يسوي النبي صلي الله عليه وسلم بين من يجود بنفسه وروحه وماله, وبين من يبذل بعض المال كالزكاة والسعي علي أرملة هذا هو أكبر شاهد علي أن الجهاد في سبيل الله هو نشر للحياة, وليس للموت لأن المجاهد في سبيل الله كما يرفع الظلم عن الناس بقتال الفاسدين لا يكفي بدوره بذلك بل عليه بعد الجهاد أن يوفر سبل الإعمار وإلا كان جهاده ناقصا فلما كان الساعي علي المسكين والأرملة يوفر سبل والإعمار للمسكين حتي لا يكون عنصرا فاسدا في المجتمع بفقره, وللأرملة التي فقدت زوجها تساوي ثوابه مع المجاهد في سبيل الله, ويري أن التوظيف السياسي لبعض آيات القرآن الكريم كالتي في قصة موسي والخضر عندما خرق السفينة, وقوله أخرقتها لتغرق أهلها فمثل هذه الآيات توظفها بعض الجماعات المتشددة سياسيا فيشبهون الدولة بالسفينة, ويشبهون هذا الخرق الذي صنعه الخضر بالقنابل التي يفجرونها في الأبرياء لكنهم تناسوا أن الخضر كان يفعل ذلك بأمر الله فمن أمر هؤلاء المفسدين بأن يزرعوا متفجرات في مدرسة أو مستشفي أو في قسم للشرطة حتي يموت الأبرياء. وقال إن غياب الدعوة الالكترونية كان سببا في انتشار الأفكار المتطرفة حيث نجحت الجماعات الإرهابية في الدعوة الالكترونية, وسبقت الدعوات الوسطية فاستطاعت أن تصل إلي الشباب. كما أن حالة رد الفعل ضد الطعن في دين الله يولد حالة من الاحتقان لدي بعض الشباب الغيور علي دينه فيرون أن دين الله لن ينتصر إلا بتفجر هذا أو قتل هذا مشيرا إلي أن من الواجب علينا التعامل مع التطرف من ناحيتين الإرهاب والتسيب باعتباره الوجه الآخر للتطرف الديني والدعوات الهدامة التي تنشد النيل من الإسلام أو التشكيك فيه هي أيضا تمثل خطرا لا يقل عن خطر التطرف, والنبي صلي الله عليه وسلم حينما عرض دعوته الوسطية لأتباعه لم يرد منهم أن يغفلوا الدنيا, ولم يشأ أيضا منهم أن يتمادوا في أمور الدين بما يرهقهم, وقد أنكر النبي صلي الله عليه وسلم علي النفر الثلاثة من أصحابه الذين قال أحدهم أنه لن يتزوج والآخر سيصوم دون أن يفطر, والذي سيصلي طوال الليل أعلنها صريحة أنه ليس من دين محمد, وإنما دين محمد دين وسطي يعرف الراحة والعبادة فقال إن هذا ليس من سنتي. فأنا أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فالقضية ليست خلاف الدين, وليس هناك أي تعارض بين العقل والدين, وإنما التعارض جاء من سوء عرض هذا الدين الوسطي بطريقة مشينة أو مهينة لا تصلح أن تكون سبيلا للدعوة, وربما تكون المشكلة في العقول التي تمردت حتي وصل تمردها ليس علي الدين فقط, ولكن علي الله فالعقل يتعرف علي الدين والدين يهذب العقل, وما أنزل الدين ليكدر علي الناس صفو حياتهم ثم إن الدين كما علمنا الطاعة علمنا أيضا أن نروح علي النفوس بل جعل الترويح عن النفوس طاعة ويثاب عليها. فعندما جاء الفقراء يشكون إلي النبي صلي الله عليه وسلم أن الأغنياء سبقوهم في العبادة والتصدق, وأنهم لا يجدون ما يتصدقون به فقال صلي الله عليه وسلم لهم إن لكم بكل تكبيرة صدقة, وبكل تسبيحة صدقة, وبكل تحميدة صدقة ثم قال وفي يضع أحدكم صدقة أي يجامع الرجل زوجته فاعترض الصحابة وقالوا كيف يا رسول الله؟ أيأتي أحدنا شهوته, ويكون له بها أجر؟ فقال لهم بكل ثقة وتسامح نعم أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا نعم قال كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر فدين الإسلام لم يغفل حاجة الناس, ولم يكبت غرائزهم وكل ما أنكره الإسلام انتهاك الأعراض وفضح عورات الناس بدافع الترويح عن النفوس إن الإسلام أحدث التوازن بين الروح والمادة, وجعل للنفس حقا كما أكد أن لله حقا.