أكد الرئيس محمد حسني مبارك أن قضاة مصر حصن حصين لشعبنا في مواجهة الإرهاب والتطرف, وأنهم يسهمون بأحكامهم في حماية أمن الوطن وسلامه الاجتماعي. وقال الرئيس مبارك في كلمته أمس بمناسبة الاحتفال بعيد القضاء المصري, والذي أقيم بدار القضاء العالي: إن الحفاظ علي استقلال السلطة القضائية لا يكون في مواجهة غيرها من السلطات فحسب, وإنما يتعين الدفاع عنه في مواجهة أي مساس بحياد القضاء ونزاهته, وأي تصرف ينال من تجرد قضائه ومصداقيتهم. وشدد مبارك علي ثقة الشعب المصري في قضائه قائلا: إن ثقة الشعب دون حدود في هذا الصرح المصري الشاهق وأبنائه الأجلاء, وأخطر ما يهدد هذه الثقة تناول الإعلام للقضايا المنظورة أمام القضاء, سواء في مرحلة التحقيق, أو المحاكمة. وفيما يلي نص الكلمة: * السيد المستشار الدكتور.. سري صيام.. * رئيس محكمة النقض.. ورئيس مجلس القضاء الأعلي. * القضاة الأجلاء.. * الإخوة والأخوات.. يسعدني أن ألتقي بكم في هذا الصرح الشامخ..وأن أتحدث إليكم من منبر دار القضاء العالي..رمزا شاهقا لسيادة القانون واستقلاله.. ولهيبة القضاء والقضاة. لقد سبق أن شاركت قضاة مصر.. احتفالهم بمناسبتين مهمتين..تحدثت إليهم من منبر المحكمة الدستورية العليا بمناسبة مرور أربعين عاما علي إنشاء قضاء مصر الدستوري..ثم تحدثت إليهم من فوق هذا المنبر احتفالا باليوبيل الفضي لعودة مجلس القضاء الأعلي..وجاءت مشاركتي في كلتا المناسبتين إدراكا لما تحملانه من دلالات مهمة للقضاء المصري العريق وتأكيدا لما نحمله جميعا من مشاعر التوفير والتقدير لصروحه العظيمة وقضاته الأجلاء. وانطلاقا من ذات الدلالات والمشاعر..فقد بادرت إلي الاستجابة لمطلب مجلس القضاء الأعلي أن نقيم احتفالا سنويا بعيد القضاء تأكيدا للمكانة الرفيعة لسدنة العدل.. وللرسالة السامية التي يحملون أمانتها..والمسئولية التي ينهضون بأعبائها بشرف وإخلاص وتجرد. إنني إذ أشارككم الاحتفال بالعيد الأول للقضاء أتوجه بالتهنئة لقضاة مصر لشيوخهم الأجلاء وشبابهم وشاباتهم.. وأعبر عن الاعتزاز والتقدير لدورهم وعطائهم.. فهم يحملون رسالة العدل يأتمنهم أبناء الشعب علي أنفسهم وأعراضهم وأموالهم يلوذون بهم سعيا للحق والإنصاف يستوي أمام منصاتهم العالية الغني والفقير والقوي والضعيف.. لا يرهبون أحدا لقوته..ولا يخذلون ضعيفا لقلة حيلته.. لا رقيب أو سلطان عليهم سوي ضمائرهم يجتهدون في تطبيق صحيح القانون.. ويستلهمون ما أرسوه من تقاليد راسخة.. وقيم ومبادئ رفيعة. وفضلا عن ذلك.. فإن قضاة مصر حصن حصين لشعبنا في مواجهة الإرهاب والتطرف يسهمون بأحكامهم في حماية أمن الوطن وسلامه الاجتماعي.. كما يسهمون في ترسيخ مبدأ المواطنة.. فلا فارق أمام منصاتهم بين قبطي ومسلم.. يعلمون أن دستورنا منذ دستور1923 كفل حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما قسمين لا ينفصلان.. ويعلمون أن مظلة العدالة مكفولة لجميع المصريين مسلميهم وأقباطهم. القضاة الأجلاء.. الإخوة والأخوات.. لقد أكدت أحكام الدستور أن السيادة للشعب وأنه مصدر جميع السلطات ويأتي احتفالنا اليوم بأعضاء السلطة القضائية تاليا للقائي بنواب الشعب أعضاء السلطة التشريعية.. ولحديثي إليهم الشهر الماضي في الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري في مستهل الدورة البرلمانية الجديدة..والفصل التشريعي الجديد. إن كلا اللقاءين يؤكد ما أحمله من التوقير والاعتزاز لأعضاء السلطتين التشريعية والقضائية وللدور المهم الذي يضطلعون به في الرقابة والتشريع..وإعلاء كلمة الدستور والقانون وتأكيد استقلال القضاء. لقد رسخ دستورنا مبدأ الفصل بين السلطات.. وجاءت التعديلات الدستورية عام2007 لتؤكد هذا المبدأ ولتضفي قدرا أكبر من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. ولتضيف مزيدا من التعزيز للسلطة القضائية واستقلال القضاء. وكما تعلمون فقد التزمت منذ تحملي المسئولية باحترام الفصل بين السلطات.. وحرصت علي أن أنآي بالقضاء عن شبهة التأثير في أحكامه أو مظنة التدخل في أعماله, كما حرصت علي صون استقلال السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها.. وتمكست منذ اليوم الأول بسيادة القانون عن اقتناع وإيمان ويقين. لقد حاز القضاء المصري مصداقيته ومكانته عبر مسيرة طويلة وتاريخ عريق منذ بدء التقاضي أمام المجالس الأهلية عام1875, وإنشاء المحاكم الأهلية عام1883, مرورا بإنشاء محكمة النقض عام1931, والمحكمة العليا عام1969, والمحكمة الدستورية العليا عام1979. سيبقي هذا التاريخ العريق للقضاء المصري علامة مضيئة لما حققته مصر منذ القرن التاسع عشر, وسيظل محلا لمشاعر المباهاة والفخر الوطني لشعبها. إنني إذ أشارككم احتفال اليوم.. أعتز كل الاعتزاز بالقانون الذي صدر في سنوات ولايتي الأولي عام1984, فأعاد مجلس القضاء الأعلي وأزال المحنة التي تعرض لها القضاء المصري عام1969 انتصارا لاستقلال القضاء وضمانا لحصانات القضاة بما في ذلك حصانات أعضاء النيابة العامة.. ولأول مرة منذ إنشائها عام1883. لم يكن ذلك نهاية المطاف فقد خطونا خطوة كبيرة عام2006 نحو المزيد من تدعيم استقلال القضاء بتعديل هام لقانون السلطة القضائية عزز من صلاحيات مجلس القضاء الأعلي وإختصاصاته ليضع أمور القضاء بين أيدي القضاة ولتكون شئون القضاة مسئولية شيوخهم الأجلاء. الإخوة والأخوات.. تذكرون حديثي إليكم في احتفالنا باليوبيل الفضي لعودة مجلس القضاء الأعلي.. وتذكرون ما أكدته وأعاود تأكيده اليوم حول استقلال القضاء. إن الحفاظ علي استقلال السلطة القضائية لا يكون في مواجهة غيرها من السلطات فحسب وإنما يتعين الدفاع عنه في مواجهة أي مساس بحياد القضاء ونزاهته, وأي تصرف ينال من تجرد قضاته ومصداقيتهم. لقد استطاع القضاء المصري بتراثه القانوني الراسخ وتقاليده العريقة وخبرة فقهائه وشيوخه أن يتسامي عن الانغماس في أعمال السياسة..والمصالح الضيقة للأفراد والجماعات, كما أن الحكمة تقتضي أن تظل شئون القضاء بيد القضاء والقضاة..ولا يصح أن تكون محلا لسجال أجهزة الإعلام أو لتصرفات تنزلق بقضاء مصر لما ينال من وقارهم وهيبتهم وكرامتهم. إن ثقة الشعب دون حدود في هذا الصرح المصري الشاهق وأبنائه الأجلاء.. وأخطر ما يهدد هذه الثقة تناول الإعلام للقضايا المنظورة أمام القضاء سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة لما لذلك من تأثير في تشكيل انطباعات مسبقة لدي الرأي العام.. قد لا تتفق- بالضرورة- مع ما يصدره القضاء من أحكام.. وفق صحيح القانون. وفي هذا السياق وانطلاقا من اعتزازي بقضاء مصر وقضاتها فإنني أعبر عن تقديري للقرارات التي اتخذها مجلس القضاء الأعلي وفقا لأحكام المادة(169) من الدستور ليحفظ للقضاء مهابته وللقضاة مكانتهم الرفيعة ولينأي بهم عن أي تأثير للاعلام في أحكامهم. القضاء الأجلاء.. الإخوة والأخوات.. لقد قطعنا شوطا طويلا لتعزيز بنيتنا الدستورية والتشريعية ولتعزيز استقلال القضاء.. أرسي دستورنا مفهوم المواطنة.. ونحن ماضون في العمل علي ترسيخه قولا وعملا وسلوكا وتشريعا وقضاء.. كما أكدت أحكام الدستور تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات بما في ذلك الحق في التقاضي. نسعي لتحقيق العدالة الناجزة مقتنعين بأن العدالة البطيئة تورث الإحساس بالمرارة لدي المواطنين ومتطلعين للمزيد من جهود قضاتنا للتعجيل بالفصل في القضاء كي ينال كل ذي حق حقه ولكيلا يطول انتظار المتقاضين أو تطول معاناتهم.. إنني أتوجه بنداء لقضاة مصر من هذا المبني العريق أن يولوا هذه القضية ما تستحقه من اهتمام وعناية.. فنحن جميعا نعمل من أجل أبناء الشعب.. كل في موقعه.. وكل بحسب مسئولياته.. وهذا هو موقعكم.. وتلك هي مسئوليتكم.. وإنني علي ثقة من قدرتكم علي النهوض بها علي الوجه الأكمل. سيظل قضاء مصر حصنا حصينا للعدالة والدستور.. وسيظل قضاته- بمكانتهم الرفيعة- موضع فخر مصر والمصريين. تحية لقضاء مصر في عيد القضاء.. تحية لسدنة العدل والقانون.. تحية لشيوخ القضاء المصري الأجلاء.. ولشبابهم وشاباتهم.. لكم صادق تقديري وتمنياتي.. كل عام وأنتم بخير,, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...