بدأت مساء أمس في بنما قمة الأمريكتين وسط توقعات المراقبين بذوبان الجليد بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوبا خلال القمة بعد أكثر من نصف قرن من توتر العلاقات الثنائية والقطيعة الدبلوماسية بين البلدين بسبب أزمة خليج الخنازير التي تسببت في أول مواجهة نووية بين واشنطن وموسكو في النصف الثاني من القرن العشرين. ووفقا لتقارير صحفية يتوقع أن يهيمن التقارب الحذر بين واشنطن وهافانا علي أعمال القمة بعد أقل من أربعة أشهر من إعلانهما السعي لخفض حدة التوترات وتعزيز التجارة والسفر بين الدولتين العدوتين خلال الحرب الباردة. القمة التي بدأت أعمالها أمس جمعت الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو في نفس المكان في مقابلة لا تخلو من مؤشرات ودلائل علي صدق نوايا الطرفين لتحقيق تقارب حقيقي بينهما, في وقت ينحي فيه البلدان عقودا من الشك المتبادل ويحاولان استعادة العلاقات الدبلوماسية. فقد أوصت الخارجية الأمريكية قبل أيام برفع اسم كوبا من قائمة الدول التي تصفها ب الراعية للإرهاب, تلك التوصية التي وصفها بين كاردين عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأنها خطوة مهمة لصياغة ما سماه علاقات مثمرة أكثر بين البلدين, تمهيدا لعودة تبادل البعثات الدبلوماسية بينهما وتخفيف القيود المالية المفروضة من جانب واشنطن علي كوبا بشأن حصول الأخيرة علي ديون أو مساعدات, رغم إعلان أوباما انتظاره توصية من مستشاريه في البيت الأبيض لاتخاذ القرار النهائي برفع اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب خلال حضوره القمة الإقليمية لدول البحر الكاريبي التي استضافتها جامايكا قبل أيام, والتي شارك فيها من أجل دعم النفوذ الأمريكي في منطقة الكاريبي وأمريكا الجنوبية. وقد اجتمع وزيرا خارجية أمريكاوكوبا قبيل انعقاد القمة في أول لقاء بين مسئولين رفيعين علي هذا المستوي بين البلدين منذ الثورة الكوبية. وكان أوباما وكاستروا تحدثا عبر الهاتف الأربعاء الماضي قبل أن يغادر الرئيس الأمريكي واشنطن. وباستثناء عدد قليل من المقابلات القصيرة غير الرسمية لم يعقد زعماء البلدين أي لقاءات مهمة منذ أن أطاح فيدل كاسترو الشقيق الأكبر للرئيس الكوبي بالدكتاتور فولجنسيو باتيستا المدعوم من الولاياتالمتحدة عام.1959 في حين عقد وزيرا خارجية البلدين جون كيري وبرونو رودريجيز محادثات في فندق في بنما سيتي مساء أمس الأول وهو أول اجتماع من نوعه منذ أن اجتمع نظيراهما الأمريكي الأسبق جون فوستر دالاس في واشنطن عام1958 مع الكوبي في ذلك الحين جونزالو جويل. وجلس كيري ورودريجيز وجها لوجه وتحدثا لأكثر من ساعتين. ووصف مسئول في الخارجية الأمريكية الاجتماع بأنه نقاش مطول وبناء جدا وقال إنهما حققا تقدما. وتسعي الدولتان للحصول علي ضمانات متبادلة بعدم دعم أي منهما للإرهاب في المستقبل. ولعل تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشان يينج حول تقرير يحذر من وجود صراع أمريكي صيني علي النفوذ في منطقة أمريكا الجنوبية تكشف الأسباب الحقيقية وراء سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية الحثيث لتحقيق تقارب مع جارتها كوبا في هذا التوقيت بالذات. فقد نفت الصين أمس علي لسان المتحدثة باسم خارجيتها وجود صراع بينها وبين واشنطن, مؤكدة أن علاقتها مع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي غير موجهة ضد أحد ولا تستهدف التأثير علي علاقة هذه الدول مع الآخرين. وأشارت هوا إلي أن الصين ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي تعتبر أنفسها دولا نامية ولذلك فتوسيع التعاون بينهما يخدم مصالحهما المشتركة ويعتبر مكونا هاما في التعاون بين الجنوب والجنوب. بينما تسعي كوبا من جانبها من وراء تقاربها المتوقع مع الولاياتالمتحدة للحصول علي احتياجاتها من الاستثمارات الأجنبية لتحفيز نمو يترجم إلي تنمية وازدهار ويكون مستداما, والتي عبرعنها وزير التجارة الكوبي رودريجو مالمييركا في تصريحات حدد فيها احتياج بلاده إلي2.5 مليار دولار سنويا لتحفيز النمو ودعم الاقتصاد الكوبي. وكان الوزير الكوبي الذي يترأس وفد بلاده إلي بنما والذي يضم ممثلي شركات كوبية أدلي بهذا التصريح قبل لقاء مع رئيس غرفة التجارة الأمريكية توم دوناهو, مؤكدا أن كوبا جاءت قمة بنما برسالة تكامل وتنمية التجارة وتنويع علاقاتها الاقتصادية مع الآخرين, متحدثا عن274 مشروعا استثماريا جديدا في11 قطاعا مختلفا في البلاد بينها الطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والبناء والمناجم والسياحة. مصالح البلدين إذن حتمت عليهما معا السعي إلي تجاوز خلافاتهما السابقة وبدء مرحلة جديدة من التعاون المثمر.