قالت: ان جدته فلتقرئه السلام ... اجتاز حوش المنزل والبوابة الحديدية الصدئه, اري الناس والباصات والدكاكاين. تسلك قدماي طريق الجمالية تحت سقف من سحب خريفية رائقة, موغلة في القدم وقلب موغل في التذكر وتقف عند رأس الحارة المتدثرة بالبيوت والنوافذ, وطلة العيون مسحت نظارتي الطبية وبصقت. هو نفس الباب القديم الخشبي والدرجة المرتفعة الرخامية, المفضيه الي فناء منخفض مظلم, وبئر السلم امازلت تذكر بئر السلم؟ ويدها تمتد في خفاء مبهم فتلمس مواطن الرغبة, والانفاس الحارة تتسلل في مكر, وينفرج بغتة ضوء مستطيلي بقدر انفراج باب الشقة ويتكدس ظله علي حاجز السلم, فتبقيا لصق الجدار حتي يموت الظل علي الحيطان وتخفت دقة الاقدام المتتابعة, ويغرق وجهها المدور في عتامة الرغبة والخوف. .. نفس الحارة, والدكاكين المكدسة بضاعتها في ضجر, والوجوه المغبرة تحدث في كبشة العيال والنساء والزبالة المبعثرة فوق اديم الاسفلت المجدور, عم مصطفي الحلاق بطربوشه الاحمر العتيق, ومنشته الصفراء المتدلية من يده علي الدوام, ووجهه المتذمر الضاجر. .. وقفت امام البيت المرقوم امازلت مرقوما؟ اربعة مكتوبة بالسلافون الاحمر علي الواجهة, وبجانبها خروف مرسوم بالطباشير, وكف مطبوع.. اصابعه حمراء قانية كم اقمت وما انت بمقيم ورحلت وما انت براحل سور الخرابة القديمة, نتسلقه جميعنا في خفة ورشاقة, نجلس في العشة المعروشة بالبوص التي صنعناها مستقرا لنا, نري منها اطلال المنازل المضاءة كأشباح خرافية فيحلو لنا ذكر العفاريت وخوارقهم, ويتراءي لنا الملجأ بنوافذه الزرقاء وقباب ابنيته وحوشه الواسع كمسرح لتلك الخوارق, وكم هممنا باقتحامه وكشف سره وابهامه لكنك كنت تخاف دائما وتحسب حساب العواقب, وترجع الي البيت خائبا فيضحك منك اقرانك, وتبيت تحلم انك مقتحمه, تطارد العفاريت حتي تصرعهم .. هل طمس التراب رقم الشقة, أم تساقط الجير وبانت اسياخ الحديد الجهم في عبوس كل شيء حولك قد بلي نقرت الباب الخشبي المتآكل ورائحة عطنة تفوح عدة نقرات متباعدة, فلم يصدر صوت ولا انبثق ضوء. يطوفون بالسواد اثر الصراخ فيحملوني عبر الغرف, وأرقد اخيرا علي سطح المنزل وانظر من فوق, صندوق مستطيلي تعلوه كسوة خضراء يحمله اربعة اشخاص يغادر منزلنا محاطا بنسوة يغشيهن السواد, ويتعالي النحيب, فيشق قلبي حزن معتم. وانقبض حيال الحيرة المقتحمة, ولا تفلح كركبة الدجاجات ولاقفزات الارانب ان تخرجني من حالي كالليالي الصيفية الفائتة حيث القمر ولمة العيال . ...تتابعت نقراتي علي الباب ثقيلة ان لم تجده اترك له مكتوبا تململت في وقفتي ونظرت من بئر السلم, لعلي اهتدي الي اي احد. * صوت المقرئ مفعم بالهيبة, غائر, والسرادق بمصابيحه المتدلية في صمت, وكراسيه الحمراء: المرصوصه في عناية, ورائحة القهوة, والصواني الفضية اللامعة وابي يجلس اشعت الشعر, متهدل الثياب, لا يبتسم.. كلما اقتربت من احد اداعبه صدني او احتضنني وملس بيديه علي رأسي في حنو نفرت منه, حتي اقراني عندما ذهبت للخرابة القديمة, وعاملوني برفق, كرهته . .. طرقت الباب بشدة, فلم تنيء فرجة الباب السفلية او الشراعة الورقية عن ادني حركة, تيقنت من غياب من بالداخل, فتتبعت السلالم الي اسفل, غائصا في عتمة عطنة, تركت الباب الخشبي من خلفي, واستقبلت الدكاكين والجلبه.. بعد خطوات قصيرة, راق لي ان أتطلع الي المنزل المستغرق في سباته, خيل الي ان وجها ماكان يطل وتراجع فجأة. القاهرة: مهاب حسين