يأتى الربيع كل عام حاملا معه النماء والخير، ويكسونا بالخضار والأزهار وتفوح الرياحين، وتدب فى أوصالنا البهجة والحيوية، وذكريات طيبة لا يتذوق طعم أيامها الحلوة سوى الأجيال التى عاصرت فارس الطرب "فريد الأطرش " وأغنيته"الربيع" التى تعد رمزاً للربيع الذى لا نشعر به إلا عندما يصدح على أنغام أوتار عوده "ادى الربيع عاد من تانى. والبدر هلت أنواره"، وكما أن العيد لا يصبح عيدا إلا إذا استمعنا لأغنية" ياليلة العيد انستينا "لأم كلثوم، كذلك الحال مع فريد "الفريد" وتحفته الإبداعية، ورغم أن موسم الربيع كان فرصة لإنطلاق كبار مطربينا من حالة البيات الشتوى باحياء حفلات يقدمون خلالها ما أعدوه لجمهورهم مما لذ وطاب طوال أشهر سابقة وجهزوه بعد تدريبات وبروفات تستغرق منهم الكثير من الوقت والجهد، إلا أن أغنية"الربيع " تظل هى الأبرز، وفريد وحليم هما صاحبا الرصيد الأكبر من المنافسة والغيرة الفنية، ويخرج المستمع من كل هذه المنافسات الغنائية فائزاً، يشنّف أسماعه برائع الكلمات وجميل الألحان عبر أقوى وأحسن الأصوات. نعود لملك العود. وسؤال واحد مركب من ثلاثة أجزاء. لماذا لم يتعاون كملحن مع أم كلثوم، وعبدالحليم، ومع عبدالوهاب كمطرب وملحن؟! يعتقد الكثيرون أن أغنية "الربيع"لم تكتب شهادة ميلادها إلا فى حفل ربيع عام 1970 على مسرح سينما قصر النيل بالقاهرة، والحقيقة انها ولدت قبل ذلك بزمن، ولم تُكتب خصيصا لفريد، ولعبت الصدفة دورها لتكون هى لحنه الأشهر، فقد كان تواقا للتلحين لأم كلثوم قبل أن يفكر عبدالوهاب فى لقاء السحاب "أنت عمرى" الذى جمعه بها منتصف الستينيات، إذ عرض عليها فريد لحن "حبيب العمر"عام 1947 غير أنها أعتذرت له، ثم قدّم إليها "الربيع"عام 1949م وتكرر نفس الأعتذار، وأكثر من أغنية أُخرى لم يجد بداً من أدائها بصوته وحققت نجاحات كبيرة، ويبدو أن تهّرب الست من الغناء له كان له علاقة بكونه شقيق منافستها اللدود"أسمهان" التى غيبها الموت فى حادث غرق سيارتها عام1944، وبعد ثلاثين عاما على رحيلها وبفعل الزمن نسيت أم كلثوم ما كان من غيرة الصبا الفنية، ولم يفقد فريد الرغبة فى التلحين لأهم صوت فى الوطن العربى وقدم لها لحن "كلمة عتاب" الذى أعجبها وتحمست له غير أن القدرلم يمهلهما فرصة تعاون واحدة، توفى فريد فى 26 ديسمبر 1974 ولحقت به أم كلثوم بعد 39 يوما فقط، وسعت "وردة" للحن وقدمته فيما بعد. أما عبدالوهاب فقد كان فريد لايعتبر له من منافس دونه، ولا يضع نصب عينيه سواه، فهو المطرب والملحن الذى لايشق له غبار، كما أنه ابن جيله فيكبره عبدالوهاب بعدة سنوات فقط، أتفق الأثنان على غناء وتلحين كل منهما للآخر، غير أن التردد والخوف من الاقدام على التجربة حال دون التعاون بينهما، وفكر عبدالوهاب بذكائه المعروف عنه فى التخلص من حجم المقارنات التى تعقد بينهما فصدّرعبدالحليم فى المشهد، وانزوى هو بعيداًعن مثل هذه الصراعات. أما عن الغيرة الفنية بين قطبى الغناء "فريد "و "حليم " فقد وصلت أصداها إلى أبعد مدى، يقدم الأول للسينما فى عامى 52و53 فيلما "لحن"الخلود، و"لحن" حبى، فيقدم عبدالحليم عام 55 أول أفلامه "لحن" الوفاء!، وتستمر المناوشات بينهما ويسعى فريد لاحتواء حليم ويعرض عليه التلحين له ليذكره بأنه ليس مطربا فحسب بل يقدم ألحانا متفردة ومن الممكن أن تكون نقطة التقاء بينهما مثلما فعل عبدالوهاب، يفكر حليم ويعيد نظر، وقبل أن يتخذ قرارا يتراجع، حتى عندما أعجبه لحن "ياواحشنى رد عليا" يتهرب فى آخرلحظة فيصل اللحن لمحرم فؤاد فيكتوى العندليب، وعندما يصل فريد القاهرة بعد غياب ويقرر إحياء حفل ليلة شم النسيم وهى نفس الليلة التى يقدم فيهاعبدالحليم حفله منذ سنوات، يتكهرب الجو ويصل الصراع ذروته. وللقصة تفاصيل أخرى.