لا ينكر أي منصف أن هناك نشاطا ملحوظا بدأ يسري في شرايين الدولة المصرية, هذا النشاط حتي الآن يؤسس لمستقبل نتمناه جميعا لوطننا العزيز وعلي الرغم من أن ما يتم إعلانه من مشروعات تدعو إلي الأمل والتفاؤل وتؤشر لمجهودات كبيرة هي محل تقدير فإن الشيء اللافت أننا لم نفتح حتي هذه اللحظة ملف بناء الإنسان المصري ذاته الذي أري أن بدايته الصحيحة يجب أن تنطلق من إصلاح منظومة التعليم ابتداء من الحضانة وحتي نهاية الدراسة الجامعية. لن أتحدث عما يحدث بالمدارس من عدم انضباط أو غياب واضح للتلاميذ واستبدال التعليم في المدارس بالتعليم في المنزل, فهي أمور بلا شك تناولها الكثيرون بشكل دقيق وعميق غير أن ما يتم تداوله عبر الميديا من تصريحات للمسئولين عن التعليم في مصر تنبيء بأننا لا نري حتي الآن الطريق السليم والصائب لعلاج الوضع المتردي لمنظومتنا التعليمية. نجلتي منة الله التي تدرس بالصف الثاني الاعدادي أصابتني بالصدمة والخجل عندما سألتني ما رأيك في أن العلماء يعملون حاليا علي اختراع جهاز تليفون محمول يكون به إمكانات التصوير بكاميرا والتسجيل الصوتي وساعة; وقبل أن اجب ابنتي واسخر منها قدمت إلي كتاب القراءة المقرر عليهم من الوزارة وطلبت مني قراءة درس تحت عنوان اختراعات مستقبلية لأعرف أن ما سبق موجود بالكتاب بل وفي نهاية الدرس تساؤل حول مدي التطور الكبير الذي سيحدث بالعالم عند الوصول إلي مثل هذا الاختراع ؟.. أصابتني الحيرة والصدمة حول التناقض الغريب والواضح بين ما يردده المسئولون وبين الأدلة الواضحة علي حالة فقدان الذاكرة والإحساس بالزمن لدي بعض واضعي المناهج التعليمية. الموقف السابق يمثل نقطة من بحر مشكلات وأزمات مزمنة تعاني منها المنظومة التعليمية, وهي مشكلات لن نتخلص منها أبدا طالما أن تحركاتنا فردية لا تستند إلي رؤية واضحة ومستقبلية, ولعل ما يؤلم النفس أننا عندما ننظر إلي اي دولة مهما يكن حجمها أو ثقلها لا نجد فيها هذا التردي والتردد في التعامل مع منظومة التعليم, وبالله عليكم أليست حالة الكر والفر التي يعانيها التعليم المصري منذ عقود مضت تؤكد أننا لا نعطي هذا القطاع الاهتمام الواجب والمطلوب, إننا ما زلنا حائرين بين النظم المقترحة للثانوية العامة وكذلك محتوي المناهج الدراسية وكأننا نبحث عن اختراع جديد لم يسمع به العالم من قبل. إصلاح منظومة التعليم في اي دولة يجب أن يكون مشروعا قوميا له أهداف ومدي زمني في إطار رؤية حاكمة تلبي الطموح المشروع للدولة بكل أركانها, أما اختصار ذلك في قرارات عنترية تستهدف إجبار التلاميذ علي الحضور للمدرسة والتضييق علي المدرسين لمحاصرة الدروس الخصوصية فهي أشبه بمن يعالج سرطانا استشري في الجسد عن طريق أقراص الأسبرين. الأزمة التي يعانيها التعليم المصري تستلزم تحركا سريعا يدعو إليه الرئيس السيسي ويحضره المجلس الاستشاري لعلماء مصر وذلك تحت هدف واحد هو إقرار نظام متكامل للتعليم وأقول إقرارا وليس توصيات أو توجيهات علي أن تلتزم الدولة كلها بتعبئة الموارد والإمكانات اللازمة للتطبيق, وأعتقد أن المخلصين من أبناء الوطن علي استعداد تام لإنجاح هذا النظام. يا سادة الوضع جد خطير ومستوي أي طالب أو خريج يدعو للأسي والحزن حتي المدارس الخاصة والدولية وكذلك الجامعات لأنها نتاج طبيعي لمنظومة دمرتها تجارب الهواة. الفاتورة ستكون باهظة والثمن لن نستطع تحمله لأن الدولة التي تفتقد لمنظومة تعليم صحيحة هي دولة سهلة الاختراق والتوجيه, إنني أدعو القيادة السياسية إلي وضع إصلاح التعليم ضمن المشروعات الكبري التي تستهدف بناء مصر التي نتمناها ؟ وتثبت لأبنائها أن الاستثمار في البشر هو استثمار في المستقبل وهو أكثر المجالات ربحا فالعقل هو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات فدعونا لا نفقد هذه الميزة. [email protected]