ما بين مواجهة سندان الإرهاب ومطرقة الفساد اللذين يطحنان المصريين في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والطرق والأسفلت وهو ما يطلق علية الفساد الاقتصادي والاجتماعي وتضارب التشريعات السياسية, يراوح الرئيس جهده ووقته في فترة رئاسته الاولي. غير أني أري أن مكامن وجذور الفساد الحقيقية متجذرة في النظام التشريعي والذي يحكم علاقات المجتمع بالدولة, يخفق ومازال يخفق في صياغة عدد محدود من التشريعات التي تحكم نظام انتخابات مجلس نواب مصر علي أسس دستورية سليمة. فمن العيب والعار في أن واحد الا يستطيع كل رجال القضاء وكافة اساتذة القانون الدستوري ورجال المحاماة أن يتمكنوا من صياغة حزمة من التشريعات والتي تضمن إجراء انتخابات سليمة دستوريا. مما يستدعي إطلاق نداء صارخ الي السيد الرئيس المنتخب بتكريس جل جهده وعنايته في هذا الاتجاه علي غرار عنايته بمشروع قناة السويس الجديدة والمؤتمر الاقتصادي وأخيرا سد النهضة. إن مهزلة التجربة الفاشلة التي تمت أثناء التقديم لانتخابات مجلس النواب في المحاكم الابتدائية, لتجعلني اناشد رئيس الجمهورية بإصدار تعديل تشريعي بعودة وزارة الداخلية الي إدارة العملية الانتخابية من أولها لأخرها, فهي كانت أكثر انضباطا وتنظيما وخبرة من( الهرج)الذي يحدث في محاكم الاستئناف والتي تفتقر الي خبر إدارة العملية الانتخابية علي الإطلاق. كما أن لجنة الإصلاح التشريعي المنوط بها اعداد التشريعات هي لجنة مؤقتة بفترة شهرين تنهي كافة اعمالها بعدهما حسب نص قرار الرئيس, فما بالها تتلكأ في اعداد التشريعات وتتصرف وكأنها حلت محل مجلس نواب الامة, أنني اطالب بحل هذه اللجنة فورا واستعانة السيد الرئيس بمجموعة من الخبراء لإنجاز تشريعات انتخابات مجلس النواب مع نهاية شهر مارس في إطار مهلة الرئيس. حيث أنه في15 يونيو2014, نشرت الجريدة الرسمية أول قرار للرئيس تنفيذا لأحكام الدستور. ونص القرار رقم(187), علي تشكيل لجنة عليا للإصلاح التشريعي برئاسة رئيس مجلس الوزراء. ووفقا للقرار فإنها تختص ببحث ودراسة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية تنفيذا لأحكام الدستور لمراجعتها وتطويرها والعمل علي ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع وملائمتها للسياسة العامة للدولة وفلسفتها وأهدافها القومية. ويعرض رئيس الحكومة علي رئيس الجمهورية تقريرا شهريا بنتائج أعمال اللجنة علي أن تنتهي من التشريعات العاجلة في صورتها النهائية وعرضها علي رئيس الجمهورية خلال شهرين من تاريخ العمل بهذا القرار!!وقد أألزم القرار الجمهوري رئيس مجلس الوزراء بضرورة( إجراء حوار مجتمعي) بشأن مشروعات القوانين والقرارات. إن عظمة حضارة شعب معين(مثل مصر), إنما تقاس بعظمة قوانين الأمة التي تحتضن هذه الحضارة وبقدرة هذه القوانين علي الاستمرار ومواكبة التبدلات والتغيرات في مناحي الحياة كافة. ولهذا قال نابوليون( إن مجدي الحقيقي ليس هو انتصاري في أربعين موقعة, وإنما هو تقنيني المدني الذي سيعيش أبدا ولا شيء يمحوه. تري متي سيدرك المشرع المصري الأبعاد العميقة لهذا القول. وقيمة التقنين تقتضي إخضاع التشريع إلي تأصيل منهجي شامل, ان التقنين يؤدي إذا إلي توحيد التشريع في حال تعددت النصوص وإلي عدم الإكثار من عددها مما يساهم في تبسيطها ومكافحة ظاهرة التضخم التشريعي. وقد عرف الفقه علم التشريع بأنه العلم الذي يعني بتقنية صياغة التشريعات السائدة في بلد معين. فالتشريع ليس مسألة سياسية تخرج عن إطار التأصيل العلمي بل هو علم تقني قائم بذاته. ويتوخي تحقيق أهداف معينة بصورة منهجية. ومن المؤسف أن مصر ليس لديها أجهزة متخصصة بعلم التشريع, وإن كان غير ذلك فمن يفسر هذا التضارب التشريعي الحالي والذي لا يليق ولا يجوز في دولة بوزن وقيمة جمهورية مصر العربية. عضو المجالس القومية المتخصصة [email protected]