وسط حفاوة بالغة ونوبات تصفيق حاد ألقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خطابه المنتظر المثير للجدل أمام الكونجرس الأمريكى وسط حضور قوى للجمهوريين وتغيب عشرات من الديمقراطيين، فى وقت كان مئات من الامريكيين يتظاهرون خارج مبنى الكونجرس، معربين عن احتجاجهم على الخطاب، ومحاولة نتانياهو جر الولاياتالمتحدة إلى حرب مع إيران. لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يخطب فيها نتنياهو أمام هذا المحفل، فقد سبق وخطب فى هذا المكان مرتين من قبل، لكنها المرة الأولى التى يثير فيها خطابه، بل ووجوده ذاته، الكثير من الاستياء وعلامات الاستفهام، خاصة وقد حضر نتانياهو هذه المرة بدعوة وجهها الجمهوريون دون علم البيت الأبيض، وقبل أيام من موعد الانتخابات الإسرائيلية، فيما يمثل انتهاكا واضحا للأعراف الدبلوماسية، وأغلب الظن أنه انتهاك متعمد لأنه من غير المتصور أن نتنياهو لم يدرك ذلك وهو الذى ولد وتربى فى أمريكا، وشغل منصب سفير لإسرائيل لدى واشنطن، بل وتتلمذ على أيدى سياسيين من نوعية نوت جنجرتش و فرانك لونتز. ويثير مضمون الخطاب جملة أخرى من علامات الاستفهام، فقد استهل نتنياهو الخطاب بالمبالغة فى الثناء على الرئيس الأمريكى أوباما، ما اعطى انطباعا بمحاولته التغطية على العلاقة غير الودية بين الرجلين، فى وقت لم يقدم الخطاب الذى دام قرابة ثلث الساعة أفكارا جديدة، وانما بدا أقرب إلى تكرار الفكرة ذاتها بصياغات مختلفة لتحذير الأمريكيين، أو بالأحرى تخويفهم، من التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، مؤكدا أن هذا البرنامج يمثل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، بل ووجودها ذاته، وخطرا على أمن دول الشرق الأوسط والسلام العالمي. ألح نتنياهو على ضرورة استمرار العقوبات ضد إيران لإجبارها على التخلى عن طموحها النووي، محذرا صانعى القرار فى واشنطن من تصور أن إيران يمكن أن تصير صديقة لمجرد أنها تعادى داعش التى تحاربها أمريكا، فعدو عدوك فى هذه الحالة هو أيضا عدوك، لأن الخلاف بين إيران وداعش ما هو إلا نزاع على قيادة امبراطورية التطرف الإسلامي. أعرب بعض المحللين عن اعتقادهم أن نتنياهو العتيد سيكون ساذجا لو صدق ما ورد فى خطابه، فمن المستحيل أن تشكل إيران - حتى مع افتراض امتلاكها السلاحا النووي- خطرا على وجود اسرائيل، الدولة النووية التى تفوق ايران فى قوتها وقوة حلفائها. ولم يكن استدعاء نتنياهو فى خطابه لذكرى المحرقة اليهودية على يد النازى إبان الحرب العالمية الثانية مؤثرا، لأن لا وجه للمقارنة بين عالم ثلاثينات القرن العشرين وعالم اليوم. وانتقد كثيرون خطاب نتنياهو الذى حاول من خلاله أن يثنى واشنطن عن ابرام اتفاق مع طهران، فى الوقت الذى لم يقدم فيه بديلا شأنه فى ذلك شأن الجمهوريين اليمينيين الذين لايكفون عن انتقاد سياسات أوباما سواء المتعلقة بالرعاية الصحية أو الهجرة دون أن يقترحوا سياسات بديلة. غير أن نتنياهو إدعى أن لديه البديل وهو رفع العقوبات عن إيران إذا ما اتخذت ثلاث خطوات هى وقف الاعتداء على جيرانها فى الشرق الأوسط، ووقف دعم الإرهاب الدولى ووقف تهديد وجود إسرائيل، الدولة اليهودية الوحيدة فى هذا العالم على حد تعبيره. ووجد منتقدو نتنياهو أن الشروط التى وضعها للتصالح مع أيران تبدو فى الواقع بعيدة المنال، بما يحقق فى الغاية الحقيقية من وراء خطابه وهى الحيلولة دون التصالح بين واشنطنوطهران، ووقف أى محاولة من جانت أمريكا لادماج إيران فى المجتمع الدولي، كما فعلت مع الصين فى سنوات السبعينيات. ومن وجهة نظر البعض فقد بالغ نتنياهو فى تخويف الأمريكيين من إيران على غرار مافعله الرئيس السابق بوش الذى بث الرعب فى نفوس الأمريكيين من قوة العراق النووية قبل غزو بغداد. أما أطرف التعليقات التى قيلت على كلمة نتنياهو أنه بدا الوجه الآخر من العملة نفسها.. فقد انتقد ايران لعقيدتها الدينية ولأنها تمثل خطرا على جيرانها، فبدا وكأنه يتحدث عن اسرائيل. ورغم التأكيد على ابدية العلاقة بين واشنطن وتل ابيب، ورغم الحفاوة التى استقبل بها الجمهوريون رئيس الوزراء الإسرائيلى وكأنه زعيم قومي، إلا أن بعض المراقبين يرون أن وجود نتنياهو على الأرض الأمريكية هذه المرة سبب انقساما فى الآراء بشأن العلاقات بين أمريكا وإسرائيل بين أعضاء الكونجرس والشعب الأمريكي، وحتى بين اليهود الأمريكيين، فى ضوء ما بدا للبعض تدخلا سافرا من جانب نتنياهو التأثير على القرار الأمريكي. وفى الوقت الذى كان فيه نتنياهو يلقى خطابه ضد إيران، كان وزيرا خارجية الولاياتالمتحدةوإيران فى سويسرا ينهيان جولة من محادثات بدت مبشرة بإمكان التوصل إلى اتفاق وشيك بين الجانبين. ومن المعتقد أنه إذا تم هذا الاتفاق بالفعل، فسيكون الرد العملى على زيارة نتنياهو لواشنطن وخطابه التاريخى أمام الكونجرس. وتبقى وجهة نظر أخرى يرى أصحابها أن خطاب نتنياهو لم يستهدف إلا التأثير على الناخب الإسرائيلى الذى سيتوجه بعد أيام للاختيار بين متنافسين أحدهما نتنياهو، وبالتالى فإن كل هذه الضجة لم تكن سوى جزء من حملته الانتخابية.