الفتنة لا تخلق في المجتمعات من فراغ و إنما يصنعها البشر إما بوعي لهدف محدد أو بغباء لمجرد التعبير عن الغضب من ظاهرة ما أو حادثة أو واقعة. وقبل أشهر خرج علينا البعض في مظاهرات يحملون لافتات وصورا لسيدة يدعون أنها مختطفة لأسباب دينية لإرغامها علي تغيير ديانتها, وكاد هؤلاء بالتسبب في فتنة دينية مع الأقباط, ورغم أنها لم تحدث إلا أنها أسهمت في تأجيج مناخ طائفي. وفي المقابل ارتكبت مجموعة من الطرف الآخر ممارسات ونظمت مظاهرات استفزازية, كانت كفيلة بالتحريض علي مواجهات دموية, لمجرد ترديدات لا مرجعية أو مصداقية لصحتها. وقبل أيام و تحديدا بعد لحظات من بدء العام الجديد, ارتكب الإرهاب الدولي مجزرة ضد مصريين من الأقباط, وبدلا من توجيه الغضب ضد تنظيمات التعصب والتطرف, انساق البعض وراء ترديدات غير صحيحة, ورؤية لاتستهدف سوي إشعال الفتنة مجددا. المشكلة أن مجتمعنا يعاني تشددا وتطرفا فكريا ومناخ تعصب ديني لدي البعض, لكنه في ما يبدو مع الأسف بعض مؤثربصوته العالي وخطابه المثيرللنفوس, في أجواء تتراجع فيها قيم الحكمة والعقل والتعقل. هؤلاء هم صناع الفتنة, وهم من الطرفين, لا يستثني منهم أحد, ولا تستطيع أن تتجاهل طرفا أو أن تتهم الآخر بمفرده, فالفتنة لها طرفان من لحظة التفكير حتي وقوع الكارثة, ولا يصلح معها القول بالمسئولية الأكبر. ليست المشكلة في هؤلاء الصغار المحركين للفتنة بين الناس, لكنها مشكلة الكبار المحرضين عليها, سواء بالهمس أو بالغمز واللمز, وما أسهل أن تطلق تصريحا متسامحا سرعان ماتعقبه بتصرف متطرف يحرض علي الفتنة. مصر تعيش محنة العودة إلي حظيرة مكافحة الإرهاب الذي هو هذه المرة إرهاب دولي, وهو من المواجهات التي تتطلب تكاتفا داخليا وطنيا أولا وقبل كل شيء, وتتطلب من الكبار الحذر والتعقل بدلا من الانسياق وراء مشاعر الصغار أو دغدغة مشاعرهم بتصرفات ربما تفضي إلي كوارث, ربما يكونون هم أول من يكتوي بنارها.