العشاء الأخير

هرول أحد الأقارب صائحا يشق دروب المنطقة النائية حديثة الانشاء بصوت عال تتخلله حشرجة كالمخبول: إلحقوني يا ناس كلهم ماتوا
وفجأة خلال دقائق بدأ الأهالي يتجمعون حوله مهدئين من روعه فهذا يمسك بيده وذلك يجاهد لاعطائه شربة ماء وبعد أن أحاطوا به وكبلوا يديه أخبرهم أنه شاهد عم رضا وأبناءه وزوجته فاقدي الوعي جميعا في منزلهم.
بدأ أهالي قرية السجاعية التابعة لمركز المحلة بالغربية التجمع للتحقيق من الامر وبعد أن اقتربوا من مسكن الرجل وجدوه وأسرته بالكامل المكونة من أربعة أفراد جثثا هامدة والتف الجميع حول أقاربه الذين أتوا بالأهالي عقب اكتشافهم عدم رد أحد من الداخل.
نشأ عم رضا في أسرة بسيطة حيث جذبه طموحه للانتقال إلي قرية العامرية وهناك عقد قرانه علي إحدي الفتيات واختار منزلا متواضعا لعش الزوجية وأنجب طفليه عبد الرحمن6 سنوات وأمنية4 سنوات وأمام قسوة الحياة والبحث عن لقمة العيش عمل سائقا بمصنع لتوزيع الالبان ثم طلب نقله منذ ستة شهور ليعمل خفيرا لعقار تحت الانشاء ملك صاحب المصنع والذي خصص له غرفة بالدور الأرضي مواجهة للعقار أصبحت هي محل إقامته شبهة الدائمة مع اختلاس بضع ساعات من النهار للاطمئنان علي زوجته وأطفاله وتناول الطعام معهم في منزله بينما ظل يحتفظ بحق استقبال زوجته يوما من كل أسبوع بموقع عمله في نفس المكان وفي ليلة شديدة البرودة توجهت أسرته للمبيت معه بغرفته المتواضعة التي تقع علي الأطراف المترامية من القرية الجابرية المجاورة للقرية تعبيرا عن فرحته بحضورهم وعاد بعدها مهرولا وسط الظلام الدامس والسكون يحيط بالمنطقة من كل جانب وأصوات الرياح تناطح الاشجار والنخيل وسار وهو يحمل سندوتشات الكفتة وهو لايدري مايخبئه له قدره المحتوم حيث يبدو أنه كان العشاء الاخير الذي كتب نهاية بائسة لأفراد الأسرة الصغيرة بعد أن أسلم الجميع الروح وذهبت معهم قطة الحارس التي طالما كانت تؤنس وحدته في غربته تاركين خلفهم العديد من علامات الاستفهام والتعجب والحيرة بين أهالي القرية عن السبب الرئيسي للوفاة هل هو التسمم الغذائي نتيجة تناول وجبة العشاء الجاهزة ولكن لماذا لم يتعرض أشخاص أخرين للاصابة كما نسف مصرع القطة تلك الافتراض بحكم طبيعتها وقدرتها علي تناول الاطعمة حتي ولو كانت فاسدة دون أي تأثير إذا هو سم الفئران الذي يستخدمه أحيانا أهل القرية للقضاء علي القوارض وخلافه وأختلط الأمر لدي ربة المنزل الضيفة بالمكان الموحش باستخدامه بدلا من الفلفل لوضعه علي الطعام لكن جاءت معاينة رجال نيابة مركز المحلة تنفي العثور علي أي سموم والغريب في الامر أيضا أن جميع منافذ الغرفة كانت سليمة ولا توجد اثار لأي تكسير أو تحطيم.
تشابك الخيوط وتعقد الامور جاء بعد شهادة غالبية الشهود بأن الزوج والزوجة كانا يتمتعان بسيرة حسنة وطيبة ولا مكان لعداوة أو بغضاء في قلوب أحد لديهما لتظل الغرفة المميتة شاهدة فقط علي ما حدث وأمام صعوبة وصول رجال النيابة لتفسير دقيق وتحليل منطقي تم إرسال بقايا الطعام لتحليلها وانتظار تقرير الطب الشرعي الذي قام بتشريح الجثث للوقوف علي الأسباب الخفية وراء سر وفاة اسرة كاملة دون أن يشعر بهم أحد في ظروف غامضة بدأت الواقعة المفجعة التي اهتزت لها مشاعر أهالي قرية العامرية عندما تلقي مأمور مركز شرطة المحلة بلاغا من كمال غراب صاحب عقار تحت الانشاء بقرية العامرية يفيد مصرع حارسه رضا جمعة38 عاما وزوجته السعيدة البسطويسي31 عاما وطفليهما داخل غرفة سكنه
انتقل الرائد عمر أبو بكر رئيس مباحث المركز وعدد من ضباط المباحث إلي مكان الواقعة وتبين من التحريات ان صاحب العقار وأقارب الزوجة قد توجهوا للاطمئنان علي الأسرة المنكوبة بعد أن قاموا بالاتصال بالأب والأم من خلال الهاتف المحمول عدة مرات ولم يرد أحد وعندما قاموا بطرق باب الغرفة أكثر من مرة لم يستجب أحد وهو ما جعل الشكوك تساورهم أن يكون حدث لهم مكروها حيث آضطروا في النهاية الي فتح باب الغرفة وكانت المفاجأة المذهلة والصادمة لهم عندما وجدوا الحارس ملقي علي الارض وحوله اثار قئ وإفرازات تخرج من فمه بسيطة ويبدو أنه كان يسعي للاستغاثة في محاولة لإنقاذه بينما كانت زوجته وأطفالهما ممددين علي السرير جثثا هامدة.
وعلي الفور قام أقارب الأم بنقل الطفلين إلي المركز الطبي في محاولة لإسعافهما لكنهما لفظا أنفسهما الاخيرة بينما تم التحفظ علي جثة الحارس وزوجته بالغرفة لحين استدعاء رجال النيابة والتي انتقلت إلي موقع الحادث برئاسة أحمد نجيب مدير نيابة المركز وتبين من خلال المعاينة التي استمرت أكثر من خمس ساعات متواصلة وجود بقايا طعام سندوتشات كفتة جاهزة وجبن ومياه غازية كما تبين أن المطبخ غير مجهز لإعداد طعام سوي مشروبات ساخنة فقط وأن جميع منافذ الغرفة سليمة حيث امرت النيابة نقل الجثث الي مشرحة مستشفي طنطا الجامعي العام والتحفظ علي بقاضيا الطعام لتحليلها وندب الطبيب الشرعي لتشريح جثث المتوفين لتحديد أسباب الوفاة وهل هناك شبهة جنائية من عدمه قبل التصريح بدفنهم.