اختاروا أن يكون البحر شاهدا علي دمويتهم, فارتكبوا جريمتهم الجبانة بمنتهي الوحشية. جريمة تتستر وراء الأسود لأنها بدون قضية. ووجوه تخفي ملامحها حتي لا تنكشف هويتها الحقيقة. والحقيقة الوحيدة أن12 مواطنا مصريا ذهبوا بحثا عن لقمة عيش فذبحوا ببرودة دم الإرهاب الذي بات يتفنن في اصطياد رهائنه ويتفنن أكثر في صناعة الموت بطرقه الصادمة منتشيا بساديته أمام العالم. وإذا كان لداعش وأخواتها من هدف وراء ذبحهم وحرقهم وإفسادهم للبلاد وترويعهم للعباد, فهدفهم الأساسي هو تمزيق المنطقة بالكامل. فالعراق تمزق بعدما وضع الغزو الأمريكي حجر الأساس للإرهاب عندما احتل الأرض وحل الحرس والجيش والأمن العراقي, ونهج سياسات طائفية أججت الكره والانتقام فلم يكن البديل سوي ميلاد الدولة الإسلامية في العراق. وسوريا تتآكل ذاتيا بعدما حطت فيها الحرب أوزارها وأصبحت بعد عامها الرابع محطة للتجاذبات الإقليمية والدولية, ومرتعا للتنظيمات الإرهابية وعلي رأسها داعش. واليمن تلفظ أنفاسها الأخيرة بعدما سقطت مرة في يد القاعدة ومرة أخري في يد الحوثيين. أما ليبيا التي وصلها التغيير علي متن طائرات الناتو التي وزعت ملايين الأسلحة علي المعارضة الليبية, بالإضافة إلي الأطنان التي تم تهريبها من المخازن الليبية, وقذفت مع كل صاروخ بذرة إرهاب نمت وتضخمت حتي أصبحت اللعنة التي حولت ليبيا إلي فاشلة وحاضنة للإرهاب مما يشكل خطرا علي المنطقة بالكامل. العراق وليبيا هما ضحايا التدخلات الأجنبية والسياسات الاستعمارية. وليبيا اليوم علي خطي العراق, إن لم نقل بصورة أسوأ, فانفتاح مخزون السلاح علي التنظيمات الإرهابية يجعلها تنتقل من ميليشيات مسلحة إلي تنظيمات تمتلك أسلحة دولة وتهدد الداخل ودول الجوار أيضا. وإذا كان سقوط نظام صدام قد نزع عمودا من جدار الأمن العربي, وإيجاد معادلات وتوازنات إقليمية جديدة لفائدة تركيا وإيران, فإن سقوط نظام القذافي أسقط عمودا آخر في المعادلة الإقليمية, تريد قطروتركيا استغلالها اليوم لصالح الإسلام السياسي من خلال مساندة الجماعات المسلحة, وعلي رأسها داعش, ولو علي حساب أمن المنطقة, وأمن المنطقة بات فعلا علي المحك مع الانتشار المستمر لفكر ومقاتلي داعش, وما يمكن أن يرتكبوه من جرائم وحشية لن تنتهي إلا بتمزيق باقي المنطقة وافتعال حرب مدمرة علي الجغرافيا العربية مادام الغطاء الجاهز هو محاربة الإرهاب. العالم أجمع أشعل شمعة علي أرواح الشهداء, لكن هل إعلان مصر القصاص من قتلة المصريين, ومنها إعلان الحرب علي داعش لم يكن قرارا متسرعا في ظل ما تعيشه البلد من حرب داخلية ضد الإرهاب وأزمة مالية واقتصادية لا تزال تلقي بظلالها علي الوضع المعيشي الهش لأغلب المصريين؟ هل تمتلك مصر فعلا الإمكانات المادية والبشرية لمحاربة الإرهاب علي جبهتيه الداخلية والخارجية؟ وهل ستقتصر حربها علي بضع ضربات جوية أم سيتم جرها إلي حرب برية, باهظة الثمن, باعتبارها الفيصل في القضاء علي داعش؟ وأليس في ذلك كله مغامرة سياسية وإنهاكا للجيش العربي الوحيد الذي لا يزال صامدا؟. الأسئلة مشروعة, كما أن اختيار مصر الثأر لهيبتها وأمنها وشهدائها هو حق مشروع أيضا, وهي تري الإرهاب يستهدفها وأطراف عديدة تتربص بها وتريد لها السقوط, لكن لا يجب أن ننسي في ظل حماسة اللحظة أن العدو خيوطه كالعنكبوت متداخلة, وهو يمتلك السلاح والدعم من أكثر من جهة, والقضاء عليه لن يتم بتحالف غير متجانس ولا بتدخل دولة بمفردها, بل يستلزم أساسا صحوة عربية وتعاونا وتنسيقا مشتركا, وإيمانا أن من يصنع الأزمة ويقتات منها لا يمكن أن يكون صرفا في حلها, واقتناعا بأنه إن سقط العموي المصري من التوازنات الإقليمية فسيسقط جدار الأمن العربي بالكامل.