نخطئ حينما نحصر الإطار الاستراتيجي للعلاقات المصرية الخليجية في دائرة المنح والمنع, لأن فضاء هذا التعاون أرحب وأوسع بكثير من هذه الدائرة المحدودة التي يحرص البعض علي ألا تتجاوز العلاقات حدودها ويلعب الإعلام المصري علي وجه الخصوص دورا غير مسئول في الترويج لارتباط تطور العلاقات بحجم الدعم المالي الذي تقدمه دول الخليج لمصر واستمراره. العلاقات المصرية الخليجية الممتدة عبر التاريخ, تستمد خصوصيتها الفريدة من نوعها, من العلاقات بين الشعوب, وإدراك وحدة المصير, ودول الخليج لديها إيمان راسخ بما تمثله مصر المستقرة والقوية من عمق إستراتيجي للمنطقة باعتبارها صمام الأمان للدول وللشعوب العربية ومن بينها بالطبع دول الخليج العربي, وبالتالي فان استقرار مصر قضية حيوية لأمن واستقرار دول الخليج التي تعلم جيدا متطلبات تحقيق أمنها ومصالحها. تأكيدات قادة دول الخليج للرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا حملت رسالة كاشفة وواضحة, وهي أن الوقفة الخليجية موجهة لمصر وشعبها, وأنه لا يمكن التصدي للمخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية دون مصر إدراكا منها لمحورية موقع مصر ودورها التاريخي, كما أن مواقف الخليج تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابتة لا تتغير, وأن ما يربط مصر والخليج نموذج يحتذي في العلاقات الإستراتيجية والمصير المشترك. لا شك أن المرحلة الراهنة تشهد حرصا متبادلا من مصر ودول الخليج علي تعزيز التنسيق المشترك بشأن تحدياتها, التي يشترك الجانبان في مواجهتها وتتطلب التكتل والاصطفاف, وهو ما تحرص عليه وتؤكده القيادة السياسية دوما, وفقا لمقولة مسافة السكة, والتي تعني أن مصر ستكون إلي جانب الأشقاء إذا طلبوا دعمها لمواجهة أي خطر, مثلما كانوا إلي جانب مصر في ظروفها الصعبة, ودول الخليج من جانبها لديها يقين ثابت أن مصر هي سندها في مواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة التي تتزايد مخاطرها وتحيط بها من كل اتجاه. وإذا كانت قضية الدعم المالي الخليجي لمصر تحظي باهتمام خاص في ظل ظروف استثنائية تمر بها مصر في الوقت الراهن, إلا أن هذا لا يعني أن تكون رؤية الإعلام للدور الخليجي منحصرة فقط في الدعوة الي تدفقات مالية خليجية لا تتوقف, دون الأخذ في الاعتبار أن ما تتطلع إليه مصر وتسعي إلي جذبه هو الاستثمار الجاد الذي لن تتحقق التنمية بدونه, وهو ما تدركه دول الخليج جيدا. وأستطيع أن أؤكد أن قادة دول الخليج كانوا ومازالوا ينظرون إلي الدعم المالي لمصر انطلاقا من قناعة راسخة بأن ما يتم تقديمه هو للشعب المصري, وفي ظرف استثنائي فرضته المرحلة علي الدولة المحورية التي كانت في حاجة ماسة لاستعادة الثقة والقدرة علي جذب الاستثمارات, التي ستعيد الاقتصاد المصري الواعد إلي مساره, وقادة الخليج وقبلهم القيادة السياسية في مصر, يعلمون أن الدول الفاعلة في محيطها الإقليمي لا تقوي بدعم مالي تستنزفه متطلبات الحياة اليومية للشعوب, وهو ما يتعارض تماما مع رؤية الخليج لمصر باعتبارها عمود الخيمة العربية, كما أنه أيضا لا يلبي طموحات مصر الساعية لاعتلاء موقعها التاريخي عربيا, وإقليميا, ودوليا. ما لا يدركه من يروج لارتباط التعاون الاستراتيجي بين مصر والخليج بحجم المليارات الخليجية التي تتدفق علي مصر, إن دول الخليج تعلم جيدا أين تنفق ثرواتها, وإنها لاتفرط في مليارات الدولارات التي تمتلكها هباء, وإن ما لديها من خبرات يؤهلها لاتخاذ قرارات مسئولة عنها أمام شعوبها بعيدا عن الابتزاز الإعلامي. [email protected]