نجحت الوساطة الكويتية, والحرص السعودي والإماراتي, علي الكيان الخليجي المتماسك والصامد منذ عدة عقود, في منح مجلس التعاون الخليجي قبلة الحياة بعد أن كان في سبيله إلي التفكك, متأثرا بخلافات امتدت لعدة أشهر بين قطر التي تستضيف قمة خليجة الشهر المقبل من ناحية, وكل من السعودية والإمارات والبحرين من ناحية أخري. وعلي الرغم من أن اتفاق الرياض التكميلي الذي لم يعلن تفاصيله يدشن في الأساس صفحة جديدة في العلاقات الخليجية, إلا أن مصر كانت حاضرة في بنود هذا الاتفاق وفقا لما أعلنه خادم الحرمين الشريفين, الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مبادرته التي طرحها غداة القمة الخليجية الاستثنائية في الرياض, قائلا: إن الموقعين علي الاتفاق حرصوا وأكدوا الوقوف جميعا إلي جانب مصر, والتطلع إلي بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء. إعادة قطار التعاون الخليجي إلي مساره لم يكن ليتحقق إلا بضمان وجود مصر في موقعها التاريخي, الداعم لأمن الخليج واستقراره, وهو ما عبر عنه العاهل السعودي بوضوح في مناشدته مصر شعبا وقيادة للسعي مع دول الخليج بعد أن أنهي اتفاق الرياض كل الخلافات الطارئة- في إنجاح هذه الخطوة في مسيرة التضامن العربي. التجاوب المصري مع المبادرة السعودية, جاء سريعا في بيان لرئاسة الجمهورية يؤكد تجاوب مصر الكامل مع هذه الدعوة الصادقة, وإنها لا تتواني عن دعم ومساندة أشقائها وأن دقة المرحلة الراهنة تقتضي من الجميع تغليب وحدة الصف والعمل الصادق برؤية مشتركة تحقق آمال وطموحات شعوبنا. وإذا كانت مصر التي تؤكد دوما أن أمن الخليج خط أحمر لا ينفصل عن الأمن القومي المصري, وأن ارتباطها بمحيطها الخليجي ارتباط وثيق, وأن التعاون بينهما يمثل أرضية مناسبة لدعم العمل العربي المشترك, لم تتردد في دعم الكيان الخليجي في لحظة فارقة في مسيرته الطويلة, إلا أن هذا التوجه لن يكون دون سقف زمني أو حوار كاشف وصريح, يضع كل قيادة أمام مسئوليتها التاريخية في مواجهة تحديات تتنوع ما بين إرهاب لا يفرق في تهديداته بين دولة وأخري, وقوة إقليمية علي وشك أن تصبح نووية بمباركة غربية, وفوضي تسببت في وجود أكثر من دولة فاشلة في الإقليم. وما بين قمة الرياض الاستثنائية وقمة الدوحة وما بعدها, يظل التوجه القطري في اعتماد سياسة جديدة نحو مصر ودول مجلس التعاون الخليجي في حاجة إلي إجراءات عملية تعزز مسيرة مجلس التعاون, وتراعي الأمن الإقليمي, علي أرضية التفاهمات الخليجية التي تم التوصل إليها في الرياض, وكانت مصر هي أساسها, بعد أن أدركت قطر جدية الموقف الخليجي الذي يراهن علي مصر بيت العرب. علي قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يدركوا أن عودة قطر إلي الصف الخليجي قبل انعقاد قمة الدوحة ليس هو نهاية المطاف, وإذا كانت الجهود نجحت هذه المرة في رأب الصدع قبل أن يتصاعد الخلاف, بما يتجاوز إمكان السيطرة عليه, فإن استكمال المسيرة نحو كيان خليجي قوي ومتماسك يتطلب خطوات عملية لا مفر من وضع بداياتها في أقرب فرصة قبل فوات الأوان.