إن العالم- اليوم- أمام تحد غير مسبوق برغم ما اكتوي به قديما من ويلات حروب وصراعات, إذ يبدو أننا في ألفية المعلومات نعيش أوان حصاد الماضي الاستعماري الذي غرس صورا مشوهة للعنصرية والاستبداد والاستعباد لشعوب العرب والمسلمين, حيث هيأ المستعمر- عن قصد أو غير قصد- البيئة الصالحة لنبات الإرهاب الذي لا ينمو إلا في ظل الفقر والعوز وفساد التعليم وتشويه الفكر وتهجين الثقافة وتزييف التاريخ وانتهاك الحرمات واجتياح الأوطان عسكريا وسياسيا بأوهام كتلك التي اجتاحت ديار الرشيد العباسي, فهيأت الرافدين لإنجاب داعش وأخواتها..!! إن الكبار دائما يغضون الطرف عن العالم العربي خاصة, كما لا يبدون أية اعترافات بمسئولياتهم التي أسهمت في صناعة الإرهابيين, وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا, بينما القادم هو الأسوأ لأنه لا يعرف حدودا كما ظنوا, فلم تعد( فرنسا) أو( أمريكا) أو غيرهما خارج مرامي الإرهاب.!! فمتي نستوعب الدرس ونعتني بالحكمة فالقريب منه وجدنا رئيس فرنسا السابق ينجرف وراء فيلسوف فرنسا( برنارليفي) فاقتحم جماهيرية العقيد الراحل( القذافي) للقضاء عليه باعتباره الطاغية الأكبر بزعم تحرير شعبه, فتحولت( ليبيا) إلي خرائب وأصبحت ساحة بلا قيود لكل أشكال التطرف والانتقام وتصدير الإرهاب, فماذا صنعت فرنسا؟!, بمزاعم الحرية أسقطت ما وسمته طاغية لتترك الدولة في أيدي طغاة, وكأننا أمام مستنسخ أوروبي للنموذج الإرهابي الذي دشنه( بوش النجل) عندما روج مزاعم وأوهاما ضد العراق ونشر الأكاذيب وصدقته الأحلاف, ثم باتت العراق مرتعا ومصدرا لكل صنوف الارهاب وليست( شارلي) آخر طعناتهم مادام المصدر حيا, فهل نحن أمام استراتيجية عالمية مدروسة بعناية للقضاء علي المستضعفين في الأرض؟!! -ومع ذلك فإن الدول الكبري خاصة بلاد( العم سام) لا يتعاملون مع الإرهاب بمعيار واحد, وهذه آفة الآفات, فكم من الحكومات ودوائر الاستخبارات تتعاون مع جماعات وتنظيمات ترعاهم حق الرعاية لتحقيق مآرب ومقاصد؟! ومع كل ما سبق فإن هذه الأسباب مجتمعة أو منفردة لا يجب أن تنسينا نحن العرب والمسلمين أننا قد شاركنا- طوعا أو كرها- في صناعة هذه الكوادر الإرهابية, لأننا لانزال نعيش ليلا طويلا منذ نهايات القرن الهجري الأول تقريبا, خاصة عندما انحرفت دولة الفتوي وتبوأ مقاعد الوعظ والإرشاد أصحاب الرؤوس المغلوطة, فامتلأت العقول وأرفف المكتبات بتراثيات شيطانية بملابس رجال الدين أتاحت لكل شواذ الجهاديين ومنحرفي العقيدة الحصول علي فتاوي تبرير الهدم والاغتيال, وفي نهاية الدرب فإن جميع مبرراتهم وأعذارهم لا تتكئ علي شيء من الحق, فبئسما شروا به أنفسهم, وقد ظنوا أن الإسلام ركوع وسجود وأذكار ومسابح وإطالة ذقون وتقصير الملابس, وتركوا نجدة المؤمن وغير المؤمن والسماحة والصدق والصبر وكل ما يندرج تحت مكارم الأخلاق, حسبنا ما قاله رئيس فرنسا التي ابتليت في أبنائها وأمنها وهو يؤكد أن المسلمين في العالم هم أول ضحايا التطرف والأصولية وعدم التسامح. ثم يقول: التطرف الإسلامي يتغذي من كافة التناقضات والتأثيرات والآلام, ومن كافة أشكال غياب المساواة, ومن كافة النزعات التي ظلت طويلا بلا حل فمتي يستحي أولئك الذين يقتلون باسم الدين؟! نعم, علينا إعادة بناء الفكر الإسلامي والقضاء علي تجارة الفتاوي ومتعهدي الشرائع, خاصة أولئك الذين ينثرون الخواتيم, هذا كافر وذاك جهادي, والآخر إلي الجنان والحور, عليهم جميعا ترجمة قولة( علي بن أبي طالب), كرم الله وجهه, ترجمة عملية: حين سكت أهل الحق عن الباطل, توهم أهل الباطل أنهم علي حق.