فى الأسابيع الأخيرة شهدت مصر حوادث عنف وإرهاب متفرقة، تركزت فى شمال سيناء، وشملت الاعتداء على كمائن ومقار ومنشآت أمنية وعسكرية، كان آخرها ما حدث يوم الخميس الماضى فى العريش ورفح والشيخ زويد. ولا شك أن حوادث الإرهاب هذه، أيا تكن نتائجها، هى مبعث ألم وقلق من الجميع على استقرار وسلامة الوطن، وأمن المواطن. وهى أيضا تستدعى مواجهات وتضحيات، تؤدى فى الغالب إلى فقد مزيد من الأرواح العزيزة، عدا الجرحى والخسائر الأخرى المادية والمعنوية. وفى يقينى أن كل مواطن مصرى غيور على مصلحة بلاده ومستقبلها، سينظر بعين الاحترام والتقدير للجهود التى تبذلها القيادة السياسية من أجل القضاء على ظاهرة العنف والإرهاب، وبخاصة الدور الكبير والمهم الذى يضطلع به رجال القوات المسلحة البواسل، فى مختلف المواقع والساحات، من أجل توفير الاستقرار وحماية الأعراض والأنفس، وكسر حاجز الخوف لدى الناس. لكننا كما أشرنا فى مقالات سابقة، نرى أن المواجهة مع الإرهاب ينبغى ألا تقتصر على خندق واحد، وندع الخنادق الأخرى مكشوفة دون حراسة، وقابلة للإختراق. بمعنى آخر، فإنه مع تسليمنا بأن الحل الأمنى هو أمر لا مفر منه، لكن الإكتفاء به ربما يضعف من قدرة عناصر التخريب على العمل، ويشلها لفترة ما، ولكنه لا ينهى المشكلة، ولا يتصدى جذريا لمعالجتها. ينبغى إذن، أن تكون هناك إستراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، يتخطى أوساط النخب والخبراء، ليصبح مشروعا وطنيا، يزج بطاقات الشعب كله فى المواجهة الوطنية الكبرى للإرهاب. ولعل من أهم خطوات المعالجة الجذرية لظاهرة الإرهاب فى وطننا، والتى ينبغى البدء بها، تفكيك ظاهرة الإرهاب، ومعرفة القواعد الفكرية التى يستند عليها، والعناصر المجتمعية التى يزج بها فى هذه المحرقة، والظروف الإجتماعية والاقتصادية التى أدت لتحقيق الإختراق، واستفحال الظاهرة. ومواجهة ذلك بمشروع وطنى، يأخذ فى الإعتبار مجمل المعطيات التى يؤدى لها التحليل الموضوعي، الرصين والشجاع. وفى ظنى أن مواجهة الإرهاب تقتضى ضرب مرتكزاته الفكرية والثقافية. وضمن تلك المرتكزات، أشكال النشاط الاجتماعى السلبى الذى نمارسه فى مختلف الميادين. خاصة أن المرتكزات الفكرية والثقافية لأى مجتمع هى الحاضن الشامل لكل ما يصنعه ويبدعه ذلك المجتمع من الأفكار والفنون والعلوم. فقد إستهدف الإرهابيون بجريمتهم الغادرة، إفشال خارطة المستقبل وضرب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى كما استهدفوا تعكير الأمن وحالة الاستقرار. لكن الإرهاب فشل، وسيفشل لا محالة، فى تحقيق هدفه، ولن يتمكن الجناة من خدش العلاقة الوثيقة بين الشعب والجيش. إلا أن السؤال الذى يقلق كثيرا من المواطنين، هو ماذا بعد؟!. ومصدر القلق يكمن فى طبيعة هذه الأحداث المروعة. فقد تمكن الجناة من التسلل تحت جنح الظلام، ونفذوا جريمتهم. فهل نحن أمام حادثة معزولة، لن تتكرر مرة أخري، أم أننا أمام موجة جديدة من أعمال الإرهاب، موجة تعيد إلى الذاكرة، أعمال التخريب التى مرت بها مصر عقب ثورة 03 يونيو. وقد دحرت فى حينه بفضل المواجهة الجسورة، من قبل رجال القوات المسلحة؟ وكيف ينبغى أن تكون المواجهة الوطنية للإرهاب؟ ومما يضاعف من حالة القلق، فى مجتمعنا هو أوضاع أشقائنا فى الجوار الليبى، الذين اكتووا بنار الإرهاب. ومرة أخرى نؤكد أن مواجهة الإرهاب ينبغى ألا تقتصر على خندق واحد، وتدع الخنادق الأخرى مكشوفة وقابلة للإختراق. وفى هذا السياق أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية وجود مشروع وطنى للمواجهة، يتخطى النخب المثقفة ووسائل الإعلام، ليصبح مشروعا لكل أبناء الوطن وفئاته ومؤسساته، يزج بطاقات الشعب كله فى المواجهة ضد الإرهاب. من هنا فإن مواجهة الإرهاب، تقتضى فى أبسط أبجدياتها، قراءة شاملة لتلك المرتكزات وتفكيكها، وإعادة تركيبها، بطريقة تفتح الأبواب مشرعة وتتيح المجال للتعددية الفكرية والثقافية وتعميم لغة الحوار، واحترام الرأى الآخر، والتسليم بالحق فى الاختلاف، بما يعزز الوحدة الوطنية ويخدم مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة. لا شك أننا إزاء أيام صعبة، والفائز من يحسن القراءة، أما أولئك الذين يصرون على دفن رءوسهم فى الرمال مراهنين على مرور العاصفة، فقد لا يستطيعون رفعها ثانية. تحيا مصر. تحيا مصر.