لاشك أن الحادث الارهابي الذي تعرضت له مجلة شارلي ابدو الفرنسية الساخرة الأسبوع الماضي والذي نتج عنه مقتل21 واصابة آخرين وما تلاه من حوادث ارهابية اخري شهدتها عدة مدن فرنسية تنوعت بين اختطاف رهائن والاعتداء المسلح علي أماكن اخري كشف عن وجود فجوة كبيرة بين المفاهيم الفرنسية والأوروبية لكلمة الارهاب وبين الفهم الحقيقي للكلمة بسبب عوامل عديدة في مقدمتها اختلاف الثقافات وعدم وجود حوار حقيقي وبناء بين الحضارات والأديان والمعتقدات المختلفة علي مستوي العالم بالاضافة إلي استخدام أوروبا وحليفتها الاستراتيجية أمريكا معايير دولية مزدوجة في التعامل مع الحوادث الارهابية في العالم. فقد فشلت الأممالمتحدة منذ سنوات في وضع تعريف محدد لمعني الارهاب نتيجة الضغوط الامريكية عليها وحتي لا يتم تصنيف ما تقوم به اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربيةالمحتلة أو غزة من ممارسات إجرامية مستمرة علي أنها جرائم ارهابية وأيضا التجاهل الكبير والواضح من جانب واشنطن والدول الأوروبية لعشرات الحوادث الإرهابية والاعتداءات المسلحة التي شهدتها الكثير من الدول النامية والاسلامية وفي مقدمتها مصر واليمن وسوريا والعراق وليبيا بل انها سعت إلي وضع استراتيجية خاصة بها لحمايتها من الإرهاب ودفعه بعيدا عنها. ولكن الواقع أثبت أن الإرهاب صناعة عالمية وليست محلية فكما يهدد دول الشرق الأوسط يمكن أن يهدد أيضا دول أوروبا وأمريكا في نفس الوقت كما حدث في واقعة الصحيفة الفرنسية الساخرة والتي أصرت رغم ذلك علي نشر رسومات مسيئة للرسول الكريم في عددها المليوني الأخير لتؤكد استمرارها في سياستها التحريرية غير الواعية والتي تهدف دون شك إلي سكب المزيد من الزيت علي النار واشعال فتيل فتنة بين المسلمين وغيرهم في فرنسا وغيرها من دول العالم. ورغم نداءات مصر المستمرة وتحذيراتها من الإرهاب وضرورة مواجهته بصورة دولية وليس فردية إلا أن الدول الأوروبية وأمريكا كانت دائما ودن من عجين وودن من طين كما يقول المثل المصري الشهير وهو ما يعني أن الدول الأوروبية وواشنطن بدأت تفيق بعد حادث باريس وتبحث عن مواجهة حقيقية لجذور الإرهاب لأنها ليست حربا بين الاسلام والمسيحية أو اليهودية أو غيرهم من المعتقدات الدينية الأخري بل إنها حرب ثقافية ومفاهيم مغلوطة عن الاسلام وقيم التسامح بين الشعوب المختلفة وأيضا حرب سياسات خاطئة تجاه قضايا المسلمين والشرق الأوسط وحرب دبلوماسيات فشلت في مواجهة التطرف الفكري بالحوار والفكر المستنير. ويجب أن يدرك القاريء حجم الدمار الذي يسببه الإرهاب في العالم من خلال التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام3102 في العالم والذي قال إن عددا متزايدا من الجماعات حول العالم, بما فيها الجماعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخري, لا تزال تمثل تهديدا علي الولاياتالمتحدة وحلفائها ومصالحها. وإن هناك7079 هجمات إرهابية وقعت حول العالم في العام الماضي, وتسببت في مقتل00871 شخص وإصابة00523 آخرين. وفضلا عن هذا, تم اختطاف أو احتجاز0992 شخصا كرهائن. حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا زيادة في الجماعات المستقلة والعدوانية بشكل متزايد المنبثقة عن تنظيم القاعدة أو المرتبطة به فكريا والتي استغلت فراغ السلطة أو الاضطراب في تلك المناطق لتكثيف عملياتها. ورغم أن التقرير صادر عن الخارجية الامريكية إلا أنها لم تسع مع حلفائها الاوروبيين إلي مساعدة تلك الدول التي تعاني الإرهاب بشكل مباشر بل اكتفيا معا بعبارات التنديد والاستنكار دون القيام بخطوات عملية علي الأرض لمواجهة الإرهاب الاسود. والمؤكد ان حادث باريس لن يكون الأخير سواء في فرنسا أو غيرها من دول العالم وهو ما يتطلب أن تكون هناك استراتيجية دولية مدروسة وليست مفروضة لمواجهة الارهاب الدولي تقوم علي أساس حماية الانسانية من خطر الإرهاب ولا تقوم علي المصالح والحسابات السياسية فقط. [email protected]