الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي للكاتدرائية يوم عيد المصريين ووقت إقامة قداسهم ليست مجرد زيارة رئيس لقطاع كبير من مواطني مصر... ونجحف الأمر حقه إن اختزلنا الزيارة في هذا المعني الضيق. . ولأن تلك الزيارة أتت من الرجل الأول بالبلاد.. الرئيس.. ولأنها استهدفت قطاعا كبيرا من المجتمع المصري.. فهذا أمر لا غرابة فيه..فهذا من حق المصريين هؤلاء علي رئيسهم.. ومن واجب رئيسهم تجاههم أن يذهب إليهم في أفراحهم... وخاصة الدينية الكبري, مثلما يذهب إلي احتفالية القطاع الأكبر من المصريين بعيد المولد النبوي الشريف... إنما اللافت للنظر في هذه الزيارة, أنها حوت عدة خبايا فلسفية وطنية يطيب لنا أن نتناولها.... أولها أنها جاءت مباشرة بعد عودة الرئيس من الكويت, وكانت الرسالة أن تلك الزيارة لا تقل أهمية عن أي مهمة وطنية ذات شأن.. ثانيا.. أن تلك الزيارة قد سطرت واقعا جديدا يجسد دعائم الأولويات في المرحلة القادمة, وعلي رأسها إقصاء أي أثر للتفرقة بين المصريين..وهو نهج محمود وطنيا, إضافة لكونه نهج مخلص- بل واجب- دينيا, حيث انه يعيد تذكرة من ينسي من المسلمين أو المسيحيين, أن الدين كله لله..وأننا أمرنا بحكم إسلامنا أن نؤمن بديانات ورسالات السماء, وأن نؤمن بنبي المسيحية, عيسي, عليه وعلي نبينا وعلي كافة أنبياء الله الصلاة والسلام.. وأن من أبسط مظاهر هذا الإيمان الواجب دنيا ووطنيا في آن واحد, أن نشارك أهلنا في الإيمان برسالات السماء احتفالاتهم بنبيهم الذي هو نبينا أيضا... ثالثا.. تعد تلك الزيارة إيذانا بتجاوز مرحلة تاريخية قاسية ومدمرة, لأنها أرخت لفترة وهن في عقيدة المجتمع المصري, الذي استسلم في بعض الوقت, لتراهات التفرقة العقائدية, وأهمل عنصر المواطنة, التي تشكل صنوا لا يقل أهمية عن صنو الدين, وهما صنوان لا يفترقان.. وهما بتلازمهما يشكلان صمام الأمان والاستقرار لمجتمع مصر كله, وأمامنا كافة الدول الغربية التي تقدم نموذجا طيبا للقبول بكافة الأديان, حتي غير السماوي منها, وفي ظل هذه الدول, يهنأ المسلمون بحياة عقائدية حرة, مثلهم مثل غيرهم.. وهم من المهاجرين لتلك الدول... وخطورة التفرقة بين قطاعات المجتمع استنادا للعقيدة..أنه قاسم لظهر أي مجتمع, لأنه يعد تقدمة لصراع عرقي وعقائدي لا ينتهي, ويفضي بالمجتمع والدولة للهلاك والانزواء..وأمامنا مجتمعات البوسنة والعراق ولبنان وليبيا وسوريا واليمن.. ومن لم يتعظ من رأس الذئب الطائر فعليه يقع الهلاك وشيكا... رابعا: تأتي تلك الزيارة لتزيدنا من القدر مغرفة, في مضمار بلورة فكر الرئيس في إدارته للشئون الأكثر تعقيدا في حياتنا بمصر..وتعكس فكرا عاقلا ونهجا متوازنا, غير واقع تحت أسر التطرف أو الإفراط, وهو أمر يبعث علي الطمأنينة, ويرسل رسالة هدوء وسكينة لكل المجتمع المصري بلا استثناء..أننا مقبلون علي سياسة عاقلة, لا تستجيب للعاطفة العرجاء أو الفكر الأعور دينيا.. برافو السيسي... وأهلا بالإسلام المستنير.. أما الأزهر والمسجد والكنيسة.. فالمصريين في انتظاركم.. أكثر تقاربا وأكثر سماحة.. وأكثر التصاقا بقضايا مصرنا العزيزة.. حما الله مصر من وهدة السقوط في الفتنة..يارب