الماء والخضرة والوجه الحسن أغنية أطربت كل المغاربة ورددها المصريون, وكانت بكلماتها الطيبة وصوت العندليب الدافئ رسالة محبة من مصر إلي المغرب, وكانت نموذجا للكلمة والفن الذي يقرب ويجمع بين البلدان والشعوب. وعلي النقيض, تم رصد31 إساءة إعلامية للمغرب ملكا وشعبا وحكومة علي مدار السنة الماضية, وبضع زيارات ولقاءات لبعض اشباه الكتاب وانصاف الصحفيين إلي مخيمات تندوف وما تخللها من تصريحات مسيئة للمغرب ومستهدفة لوحدته الترابية, التي نعتبرها كمغاربة غير قابلة للمساومة أو المزايدة, بعدما تم اتهامه من بعض الجهلاء بالدولة الصهيونية والدولة المحتلة. مع الترويج الاعلامي الكبير والسريع, في المقابل, لمختلف هذه الاساءات وشحن الرأي العام المغربي ضد الاعلام المصري, كل ذلك كان كفيلا بإشعال أزمة مفتعلة بين الرباط والقاهرة وصلت ذروتها بانقلاب الاعلام الرسمي المغربي ضد النظام في مصر. مرة أخري, يتسبب الاعلام غير المسئول في خلق أزمة, ويسخر كأداة للرد وتصريف المواقف أو نقل الرسائل, واضحة كانت أم خفية, بين دولتين شقيقتين شهد لهما التاريخ بعمق العلاقات التي طالما كانت مبنية علي الاخوة والتسامح والعطاء, والتي سوف تكون بالتأكيد شفيعا لهما من أجل تجاوز هذه المحنة لتعود المياه إلي مجاريها وتعود العلاقات كما كانت وأحسن بعد تصفية الخواطر وتوضيح المواقف. ليخرج الاعلام من هذه القضية الخاسر الأكبر بعدما تحول إلي حلبة للصراع ومادة لإشعال الفتن أو تأجيجها بدل أن ينتصر لضميره وحياديته ورسالته النبيلة التي يجب أن تكون أكبر من كل الخلافات والاختلافات السياسية أو الأيديولوجية. الخناقة الاعلامية الأخيرة بين المغرب ومصر كشفت النقاب عن الوجه القبيح للإعلام وعدم نضج بعض الاعلاميين,بالبلدين ممن يعتقدون أن الحرية وحرية الصحافة تعني التطاول علي الآخر سواء كان نظاما أو شعبا أو دولة, غير آخذين بالاعتبار بأن رموز الدولة تمثل هيبتها, واختيارات الشعوب تعكس ارادتها وكلها خطوط حمراء لا يجوز المساس بها. وغير آبهين بأن هذا التجريح والاساءة, كما نشرها والترويج لها وتضخيمها, لغرض ماء يمكن أن يخلق شروخات بين شعوب لولا الثقة والمحبة الصادقة لما استطاعوا تجاوزها. والمغرب الذي تشبع بالثقافة والحضارة والفن المصري, والذي وقف دائما إلي جانب ارادة الشعب المصري دون قيد أو شرط, والذي كان أيضا من الأوائل الذين أيدوا خارطة الطريق وهنأوا الرئيس السيسي بعد فوزه بالانتخابات, لن يكون عدوا لمصر. ومصر الحريصة علي تطويق هذه الأزمة ايمانا منها بأهمية العلاقات بصينها وبين المغرب الذي لن تتحالف ضد مصالحه, ولن تنساق وراء من يحاول علي حين غفلة من الزمن واستغلالا للظرفية الراهنة أن يشكك في مواقفها أو يحاول ادخال علاقتها معه في نفق مظلم. لعل من أسوأ ما جلبته رياح التغيير العربي هو هذا الانفتاح والتسيب الاعلامي الذي أصبح خارج السيطرة وخارج المهنية, وأتمني أن يستفيد الجميع من هذا الدرس, وأن يعملوا علي وضع ميثاق شرف اعلامي عربي لتفادي تكرار هذه الخروقات التي يمكن أن تسبب في أزمات الجميع في غني عنها. أما ما يجمع المغرب ومصر فهو بالتأكيد أكبر بكثير مما يمكن أن يفرقهما أو يعكر صفو سمائهما. فقط الحكمة تقول بسرعة تحمل المسئولية وبذل كل الجهود الممكنة من كلا الطرفين من أجل احتواء هذا التوتر العابر من خلال استيعاب أسبابه ومعالجتها ومنع تكرارها مرة اخري. والكل يعول علي تحركات حكومتي البلدين من أجل اتخاذ التدابير اللازمة بما يقو علاقات التعاون بينهما في كل المجالات ويخدم مصالح الشعبين الشقيقين بعيدا عن كل الإنزلاقات الاعلامية أو المحاولات الفاشلة التي تريد الوقيعة بينهما.