كان هناك نزاع مستمر بين الأوس والخزرج يؤججه اليهود قبل الإسلام, فرغم أن الأوس كان مواليهم من بعض قبائل اليهود, والخزرج كان مواليهم من بعض قبائل اليهود الآخرين , إلا أن اليهود كانوا يثيرون العداوة بين الأوس والخزرج العرب حينما يرون أن قوتهم قد أصبحت كبيرة يخافون من سطوتهم, خاصة أنهم أهل حرب وسلاح فيضعفون من قوتهم بهذه المشاحنات والعداوات بين الأوس, والخزرج. فلما هاجر صلي الله عليه وسلم إلي المدينة ووجد ذلك عالجه بذكاء وحنكة حتي تستقيم الأمة الإسلامية دون صراع. فأعلي من العصبية القبلية بأن حولها لصالح الإسلام, فحول الحمية القبلية إلي الأخوة الدينية ورفع شأن الإسلام, فأصبح التنافس تنافسا رشيدا شريفا يهدف إلي البناء والتعمير, وليس للفناء والهدم, وأصبح في سبيل الله تعالي لعزة الإسلام, فكانا يتسابقان عند رسول الله صلي الله عليه وسلم لخدمته في صالح الإسلام من ذلك ما ذكره ابن إسحاق في( السيرة النبوية) عن مظاهر هذا التنافس بين الأوس والخزرج في القضاء علي زعيمين من زعماء اليهود كانا من ألد أعداء الإسلام ورسوله صلي الله عليه وسلم. فقد كان للأوس الفضل الأكبر في قتل عدو الله كعب بن الأشرف جزاء خيانته وعداوته, فإنه حينما علم بانتصار المسلمين في( بدر) وبلغه الخبر قال( أحق هذه؟ أترون محمدا مثل هؤلاء... فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس, والله لئن كان محمدا أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها).. ثم أتي مكة, وأخذ يحرض المشركين علي الرسول صلي الله عليه وسلم والمسلمين ثم أخذ يبكي أهل القليب الذين أصيبوا في بدر ثم عاد إلي المدينة, وأخذ يشبب بنساء المسلمين حتي أذاهن, فقال صلي الله عليه وسلم من لي بابن الأشرف؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول الله, أنا أقتله, فاجتمع لقتله خمسة من رجال الأوس فقتلوه بعد أن استدرجوه من منزله إلي الخارج. فاستأذن الخزرج رسول الله صلي الله عليه وسلم ليقتلوا( سلام بن أبي الحقيق) وكان يوازي( كعب بن الأشرف) في عداوته للرسول صلي الله عليه وسلم وللمسلمين فأذن لهم وهو( بخيبر) وكان مطرودا من المدينة, وذهب إلي( خيبر) يؤلب قريشا علي المسلمين كما قال لقريش أن دينهم خير من دين الإسلام ثم ألب غطفان مع اليهود الذين عرضوا معه حتي كانت غزوة( الأحزاب). فخرج خمسة من الخزرج إلي سلام بن أبي الحقيق في خيبر وقتلوه ليلا, وهو علي فراشه. فنالت الخزرج الشرف كما نالته الأوس سابقا, وبذلك كان السباق لإرضاء الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم.