هل تنام الأوطان حتي تستيقظ؟ سؤال ألح علي كثيرا هذه الفترة.. ولم أجد بدا من أن أطرحه وأطرح تصورا لملابساته, وتصورا أيضا للإجابة عليه... أما في مناسبة السؤال.. فهي حال أمة العرب... التي أصبحت اليوم, ربما بتفرد غير مسبوق, مرتعا للفرقة وتهاوي الأوطان... رأينا هذا منذ فترة في الصومال التي لم تعد دولة.. ثم تلتها العراق... فسوريا فليبيا... ثم اليمن الذي لم يعد سعيدا علي الإطلاق... وخوفي لا ينقطع أن يمتد حبل النوم للأوطان ليشمل بلدانا أخري.. مازالت شياطين الإنس فيها تعمل حبائلها للإيقاع بها... ويؤلمني أننا لا نستوعب دروس الأوطان النائمة... فنقع في الفخ, دولة تلو دولة..وكأننا لا نفقه من عوالمنا إلا ما تفقهه الدواب.. طعام وشراب ومنام... فينام الوطن نومة الضعف والوهن..فلا يذكر له في شأن العظمة والقوة ذكرا.. المؤلم في الأوطان التي تنام... أنها لا تنام في سلام..لكنها تنام في دماء وألم..وعندما تنهار الدولة القوية بمؤسساتها القادرة, تبرز الكيانات الشيطانية بتوجهاتها المريبة..فتقتل وتشرد وتقسم وتبدع في الفرقة والتضليل.. تارة باسم الدين وتارة باسم النعرة العرقية وتارة أخري باسم الحرية والديمقراطية... وليس هناك شك أن من أفسح المجال لكي تنهار الأوطان, العديد من الأسباب التي ليس أهمها الجهل أو الفقر, وليس أقلها شأنا غيبة الحكم الرشيد للشأن السياسي بإجماله... لقد أفسح المجال أيضا أن بعض نظم الحكم ظلت, حتي عهد قيام الثورات الربيعية التي ليست بربيعية, تلتزم خطا حكميا متزمتا ملكيا في جوهره رئاسيا في شكله, ديكتاتوريا في داخله, ملتزما حلو الكلام في منطقه, ومر الفعل في عمله, حتي ضجت الشعوب, فاستغلت فئة من المنتفعين والمرتزقة ضجر الشعوب بحكامها, فقامت الثورات, نبيلة في غاياتها, خضراء في أيدي شبابها الذين تصورا أنهم أقاموها, لكنها مالبثت أن استحالت عن طريق الرشد إلي طريق المصالح... فحدث ما حدث بمصر في أعقاب ثورة25 يناير..حتي قامت ثورة30 يونيو..وبدأ مسار آخر, يستلهم نمطا أكثر اعتدالا للحكم.. وفي تونس, كانت جماعة الإخوان هناك أكثر حكمة وعقلا ووطنية من شقيقتها الكبري جماعة إخوان مصر, فلم يقعوا في حبائل السياسة المغرية, ولم يستدرجوا إلي فخ الصدام مع المجتمع أو القوي السياسية الأخري, وهي فخاخ أوقع إخوان مصر أنفسهم فيها بجشعهم السياسي, وغيبة التعقل والرشد في تلمس الأفق الأعقل في اختيارات العمل المجتمعي... بمصر الدولة الأم للعرب جميعا... فكان ما كان..ولكن نجا الله مصر بوعي مجتمعها الذي ثار علي الفوضي, وقوة مؤسساتها وعلي رأسها الجيش, الذي حما أمل المصريين في مستقبل أكثر وضوحا وازدهارا واعتدالا... من الذي كان يلوح بالأفق إبان حكم الإخوان... كما حما الله تونس من مصيدة الوطن الذي ينام... عندما منح قواها السياسية وعلي رأسها حزب النهضة, رشد الرؤية, ومنحة الخوف علي الوطن, حتي لا ينام كغيره, في بئر التفكك والهزيمة, فجاءت انتخابات البرلمان التونسي, وتلتها انتخابات الرئاسة التونسية, لتعكس وعيا شعبيا راقيا, ووعيا سياسيا مبهرا, وكان الفائز الأكبر في الانتخابات ليس الرئيس التونسي السبسي, وليس جبهة نداء تونس, وليس حزب النهضة وحركة الإخوان التي يمثلها..ولكن كان الشعب التونسي كله هو الفائز الأكبر في هذه الخطوات التاريخية المضيئة, التي جسدت تحول المسار التونسي من الفوضي إلي الاعتدال..ومن الانهيار إلي البناء..ومن الماضي بعذاباته إلي المستقبل المزهر بآماله وأحلامه التي يقدرون علي تحقيقها معا.. أما الصومالوالعراق وسوريا واليمن وليبيا... فالصورة قاتمة..ولكن الأمل والرجاء يظل معلقا علي عقول الوطنيين من أبناء هذه الأوطان..التي يبدو أنها قد استسلمت- إلا قليلا- للنوم في بئر الفتنة... الذي لا قيام منه إلا من رحم ربي... نعم.. لا نجاة لهذه الأوطان, إن قدر لها النجاة, إلا بأيدي الوطنيين من أبنائها, الذين عليهم أن يتصدوا لنوازع الفرقة, ويكفوا عن التشبث بالرخيص والمؤقت من المصالح في أوطانهم... والتمسك بوحدة هذه الأوطان.. علي المسئولين في تلك الدول أن يشرعوا فورا في مد يد المشاركة لجميع القوي الوطنية المؤثرة..وعلي القوي الوطنية أن تكف عن المتاجرة بالدين والعقيدة, وأن تتوقف عن بث نار الفتنة الطائفية, والتجزئة العنصرية, التي ستفضي بهذه الدول حتما إلي الخراب الذي ما بعده خراب..وعندئذ لن يكون حديثنا عن وطن ينام.. ولكن عن وطن ينهار ليس له قيام مرة أخري. محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان [email protected]