نخطئ كثيرا إن تصورنا أن زيارة الرئيس السيسى المثمرة للصين هى نهاية طرفية تعكس نجاح مسارنا الاقتصادي، بل الواقع يحتم علينا أن نكون فى أشد حالات وعينا لحقيقة أن تلك الزيارة، بما أنتجته من اتفاق للشراكة الإستراتيجية متعددة المجالات، وما نجمت عنه من نحو خمس وعشرين مذكرة تفاهم فى كافة نواحى التعاون المهمة، من اقتصادية وعلمية وتقنية وخلافه. هى نقطة انطلاق حقيقية للمستقبل الذى يجب أن نخطط له جيداً. ليس أن نحلم به. وشتان بين التخطيط والحلم. فالصين. عملاق الاقتصاد والإنتاج والعلم والبشر والحجر. ليس هناك من شك، فى خلوص نيتها لمساعدة مصر. لما للبلدين من وشائج مجتمعية وثقافية متقاربة، جسدتها عوامل اشتراك تاريخية وحضارية لا تغيب عن أعيننا، فمصر والصين تشكلان حضارتين عملاقتين ، وجدتا منذ آلاف السنين، وشكلتا منارتين دائمتين للتنوير والثقافة العابرة للقارات. وسياسيا أيضاً، إضافة لكوننا أول من اعترف بالصين فى الخمسينيات، هناك توافق وتقارب واضح فى المواقف والتوجهات المصرية الصينية بشأن قضايا الشرق الأوسط، بما تشكله من عمق و أهمية مشتركة بين البلدين، خاصة الأزمة السورية التى ترى القاهرةوالصين ضرورة حلها بشكل سلمي، وأيضا تطابق الموقف الصينى المصرى بشأن القضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى المحتلة عام 1967، وغيرها من القضايا الهامة التى تموج بها المنطقة. كل هذا الجانب المشرق أمر لا نختلف عليه. ولا تثريب علينا إن قدرناه غاليا. فهو يستحق. لكن الأمر هكذا لا تكتمل صورته. فهناك جزء فى منظومة التعاون المرتقبة لا يجب إغفاله، هو أن الصين قوة عالمية عظمي. لا تخطو خطواتها مجانا. دون أن تكون هناك فائدة تعود عليها وعلى اقتصادها وسياساتها، بخاصة مع دولة بحجم وقيمة مصر. وهنا يجب الحذر والاستعداد جيدا لهذا التعاون الوشيك. وأول محاذير تلك الشراكة، هو أننا أمام تحد رهيب أن نعيد توفيق بنيتنا الاستثمارية والتشريعية والإدارية لكى تفتح مجالات الاستثمار الإنتاجى أمام المستثمر الصيني، وليس الاستثمار الاستهلاكي، فنحن نريد قيمة اقتصادية مضافة، ترفع من حجم صادراتنا، وتستوعب عمالتنا المتعطلة، ولسنا فى حاجة لمزيد من مصانع لعب الأطفال واللبان. وأن يكون مسار تلك العلاقة محل متابعة دائمة من القيادة السياسية. أما بشأن القرار الاقتصادي، فهناك أيضا حاجة عاجلة للتخطيط لمرحلة التعاون بين مصر والصين، من خلال دراسة احتياجات قطاع الإنتاج والصناعة بمصر، وكيفية تعزيزه من خلال التعاون الصيني، سواء بإنشاء وتوسيع قاعدة التصنيع الكاملة، أو بتحديث وسائل الإنتاج بما يحقق لمصر نفعية اقتصادية، ويعظم من العائد التصنيعى للبلاد. وعلى المسار الاقتصادى أيضا، هناك ضرورة للنظر بعين الاعتبار للسوق الصينية، التى تعد أوسع سوق بشرية داخل كيان جغرافى سياسى واحد. وإذا علمنا أن الحجم الراهن للتبادل التجارى بين البلدين نحو 11 مليار دولار ، منهما نحو 3.8 مليار صادرات من الصين لمصر، ونحو 7.2مليار دولار صادرات مصر للصين، لبدا لنا الخلل فى ميزان العلاقة التجارية بيننا. وإذا أضفنا لذلك أن حجم التجارة مع العالم الخارجى للصين مؤخرا بلغ نحو 4 تريليونات دولار، لأدركنا حجم العائد من إيجاد سوق صينية للمنتجات المصرية فى كل المنتجات التى تستهلكها الصين. نعم يجب أن تغزو المنتجات المصرية الصين يا سادة. حتى لا تتحول الشراكة لمزيد من السيطرة الصينية على السوق بمصر. وفرصة الشراكة الإستراتيجية يمكن أن تعطينا فرصة طيبة لرفع نصيبنا عدة مرات من حجم التجارة مع الصين. لكن هذا يقتضى تطوير منظومة الإنتاج، وقبلها قراءة واعية للسوق الصينية، والأهم تغيير أنماط البشر والإدارة وسلوكيات العمل التقليدية المنتقدة للعامل المصرى والإدارة المصرية. وختام الكلام فى علاقتنا المستقبلية مع الصين. علينا أن نرتقى لقدر الشراكة مع هذا العملاق الرهيب. الذى يمكنه أن يتحول إلى أهم شريك استراتيجى لمصر فى غضون سنوات معدودة. لو أحسنا الاستعداد للعب مع الكبار بنظامهم. الانضباط. الجدية. الإخلاص. الرؤية. الحفاظ على مصالح الوطن. اللهم قد بلغت. اللهم فاشهد. خبير دولى فى إدارة مراحل الانتقال وتهيئة مؤسسات الدولة عقب الاضطرابات والنزاعات، محاضر القانون الدولى وحقوق الإنسان. [email protected]