كشفت محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك عن ثغرات قانونية, واختلالات في النظام عززت من نفوذ الفساد والمفسدين, وهو ما استجاب له الرئيس عبد الفتاح السيسي بحسه الوطني العالي, وسعي إلي تداركه وإصلاحه, بأن طلب أن تتم علي الفور, دراسة التشريعات التي تفتح أبواب الفساد, وتعديلها, خاصة القانون الذي يسقط الجريمة بالتقادم, مما يشكل ثغرة كبيرة تحصن الجريمة وتترك الجاني ليفلت من العقاب. وإذا كانت المحكمة قد برأت مبارك من الجرائم الجنائية, فإنها أشارت في حيثياتها إلي ما اعتري نظام مبارك من وهن, انعكس علي تراجع دور الدولة في النهوض بالتعليم والصحة والإنتاج, في ظل وجود زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين, نهبوا الثروات والخيرات, وأضروا بالاقتصاد, بينما تعاني فئات شعبية واسعة من الفقر والبطالة. ومن هذه الإدانة السياسية لنظام مبارك, علينا الانطلاق لتشخيص الأمراض التي تعانيها مصر, بهدف الإصلاح والنهوض, فهذه أولوية تفوق الإدانة الجنائية لشخص مبارك, والتي يمكن تداركها قانونيا بالطعن في محكمة النقض, أو بأي سبل قانونية أخري. لقد ترك لنا نظام مبارك أكواما من الأزمات والتحديات, التي تعرقل إعادة بناء مصر, من خلال منظومات تشريعية وتعليمية وصحية واقتصادية, لا تقوم علي أسس علمية مدروسة, ولا تشكل دعائم للنهضة والبناء. لقد أدانت المحكمة نظام مبارك, وإن لم تتمكن' من حيث صلاحياتها' من إصدار عقوبات علي مرتكبي هذه الخطايا المتراكمة في عهده, وأشارت إلي جوانب قصور مهمة, تجاوب معها الرئيس السيسي بسرعة, وهو ما يفتح باب الأمل لتجاوز هذا الإرث الضخم من الفساد والعيوب والأخطاء. علينا توجيه طاقتنا إلي صناعة مستقبل يتخفف من هذا الإرث, وأن يكون غضبنا موجها بصورة إيجابية إلي العيوب والأخطاء وأسباب الفشل لتداركها, وأن يتحول إلي طاقة إيجابية, بدلا من التركيز علي الثأر الشخصي, حتي لا نعيد إنتاج الفشل والخطايا السابقة. من المؤكد أن المستفيدين من استمرار نفس السياسات سيحاولون عرقلة مسيرة الإصلاح, وسيدافعون عن مصالحهم ومكاسبهم ومراكمة الثروات بكل السبل, وهم يملكون من المال وأسباب القوة ما يمكنهم من التأثير, سواء عبر الإعلام الخاص الذي يسيطرون عليه, ويوجهونه ليدافع عن مصالحهم, أو من خلال تخطيطهم وسعيهم للفوز بالنصيب الأكبر من مقاعد البرلمان الجديد, والذي سيكون منوطا به إعادة النظر في قوانين قديمة معطلة للإصلاح والتطوير, وإقامة منظومة تشريعية جديدة تكون بمثابة قاعدة انطلاق لبناء مجتمع عادل ومنتج ونزيه, تحمي مصر من زمرة الفاسدين والمنتفعين والمتسلقين, وتنمي الثروة القومية وتستغلها لمصلحة الشعب, وترتقي بالتعليم والصحة والإنتاج, لتحتل مصر مكانة تليق بها, وهو ما يتطلب إقامة جبهة لقوي الإصلاح والتقدم, تخوض الانتخابات البرلمانية بشخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة, تسعي إلي تجاوز تراكمات الماضي, بدلا من إضاعة كل الوقت والجهد في التباكي علي الشهداء, لأن الثأر الحقيقي لدماء الشهداء هو تحقيق حلمهم بمصر قوية, تصون الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.