العلاقة بين مصر و السودان علاقة أزلية بلا شك, و مستقرة باليقين علي الأذهان, فتعدد الرؤي ليست من المسلمات حينما يختلفوا أو يتفقوا عليها الناس وفقا للصورة الذهنية التي تكسوها عباءات السياسة, ففي السياسة قد تلعب الظنون والأوهام دورا أكبر مما تلعبه الحقائق. و هذا لا يعني اقتصار العلاقة علي طاولات المباحثات والاتفاقيات والزيارات الرئاسية, وإنما هي بالطبع قد اوطرت منذ عهد ليس بقريب, طبعتها الطبيعة بسريان النيل في واد عميق اليم و عتيق الحضارات التي سادت علي شاطئيه, و لتلك الحقب روايات اصطحبتها الأماكن في تشابه الأشياء, وحكاها التاريخ علي مر الأزمنة و جسدتها الأنساب و الأعراق و الثقافات, و إن عددناها لن نحصيها و لن تسعها هذه المساحات, ولنا علي الأقل, أن نذكر علي سبيل المثال حلقات التدارس بين المشايخ و كبار علماء المالكية و الصوفية و مدي الترابط الذي كان بينهم, فمن مصر كان الأجهوري و السنهوري و الرزقاني, و كان من السودان إدريس الأرباب و أبو عاقلة و الجنيد و غيرهم كان لهم الفضل في علاقة تحكي عنها قباب الأقطاب; وفي ضرب آخر يعبر عن التمازج و الانصهار عبر القرون بين قبائل وادي النيل, فنجدهم علي عهدهم القديم باقين, العهد المتمثل في شراكة الأعراف و العادات و الثقافة التي ما زالوا علي ضوء قمرها يرقصون في أفراحهم بنفس الطريقة ويتغنون بذات الألحان والنشيد. ما دعانا للإشارة إلي العلاقات, ليس لأننا بحاجة لإستيلاد تاريخ هو بالفعل ضارب بالقدم, و لكن خلال متابعتنا الأيام الماضية و ما نشر بالصحف في القاهرة و الخرطوم عن عدم الإلتزام بتوصيات زيارة الرئيس البشير الأخيرة للقاهرة, التي تمثلت في عدم تناول إعلاميي البلدين للقضايا السياسية العالقة بصورة سالبة, فليس ما قيل في بعض القنوات المصرية يمثل رأي الشعب, و ايضا ما يكتب في صحف الخرطوم كذلك. فنحن عامة الشعب في غني ذلك, و لحديثنا في مثل هذه المواضع, في ظننا, تنطبق عليه مقولة أبي حيان الكلام في موقع الصمت فضل وهذر, كما أن السكوت في موضع الكلام لكنة وحصر.فلا بد من اخذ الاعتبار من العلاقة الحقيقة بين السودان و مصر, و تجاوز الشكوك الاعلامية المتبادلة حول نوايا الإدارات السياسية, و إن كره الكارهون, فنحن نتمني أن تبقي العلاقات كما كانت و قامت عليه, لكي لا تكون مدعاة لنقض غزلنا بأيدينا, و يا ليت الساسة يعلمون قول الشاعر: لكل امرئ شعب من القلب فارغ و موضع نجوي لا يرام اطلاعها.. و أخوان صدق لست مطلع بعضهم علي سر بعض غير اني جماعها.