إن ما يحدث علي أرض نبع منها وفيها ظهر الاسلام من عنف, وقتل, وتخويف, وتطرف وغلو يضر بالإسلام, ويهدد استقرار المسلمين, ويقضي علي وحدتهم, وينشر الفوضي والغوغاء بين ربوع أوطان الإسلام, ويدمر كل شيء ويخدم أعداء الإسلام والمسلمين, ويثبت الشبهات التي أشاعها أعداء الدين وروجوا لها قديما وحديثا ومنها: أن الإسلام دين دموي, وأنه انتشر بحد السيف, ولا تزال طائفة من المسلمين يقعون في شباك المخططات الهادمة للإسلام, الهادفة في إظهار صورة الإسلام بأبشع صورة عرفتها البشرية, والهدف صد الناس عن الدخول في هذا الدين, وتصوير معتنقيه بأنهم دمويون يستحلون سفك دماء البشر, ولا شك ان ما نراه من بعض الحركات الجهادية في ذلك العصر في الكثير من البلدان يساعد علي إثبات هذه الادعاءات. ألم يعلموا أن إراقة الدماء جريمة كبري نهت عنها جميع الأديان, وعندما تكون باسم الدين تكون أشد جرما وأشد مصيبة فالأديان بوجه عام والإسلام بوجه خاص تدعو إلي المحبة والسماحة والوئام والتقارب والتعايش, وتنهي عن التشدد وعن الغلو, ويبدو أن التشدد والغلو نابعان من عدم فهم النصوص وعدم تطبيق صحيح الأديان وتجاوز فيما هو معلوم من الأديان بالضرورة وما اصطلح عليه أهل الحل والعقد من فقهاء الإسلام وخاصتهم أن الغلو يقضي علي صحيح الدين وينشر الفوضي بين ربوعه ويعطل الدعوة إليه. وقد ابتليت الأمة الإسلامية منذ قديم الزمان بالغلو في الدين من قبل طوائف عدة مثل الروافض الذين غالوا في حق سيدنا علي رضي الله عنه وفي حق الأئمة من بعده, والخوارج الذين كفروا أهل الإسلام بارتكابهم للمعاصي والذنوب, وها نحن نري في ذلك العصر من يتشدد في آرائه فيقتل ويأسر باسم الدين والدين منه براء. ومن واجب المسلم أن يتأسي ويقتدي برسول الله صلي الله عليه وسلم الذي نهي عن التشدد في الدين فلم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما وهو القائل لأصحابه( يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا), ومن يعتقد أن الدين يبيح إراقة الدماء فهو ليس من أهل الدين وليس من أهل رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا ينتمي إليه بأي حال من الأحوال والنصوص الدينية متنوعة ومتعددة في النهي عن أراقة الدماء وحرمتها. وقد حرم الإسلام علي المسلم أن يقتل نفسه فمن باب أولي قد حرم عليه أن يقتل غيره, وها هو رسولنا صلي الله عليه وسلم يضع لنا قانونا نتعامل به فيما بيننا وفيما بين الآخر, قال صلي الله عليه وسلم فيما ورد في خطبة الوداع:(( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم, كحرمة يومكم هذا, في بلدكم هذا)), وقال عليه الصلاة والسلام:(( إذا التقي المسلمان بسيفيهما, فقتل أحدهما الآخر, فالقاتل والمقتول في النار)), قالوا: يا رسول الله صلي الله عليه وسلم, هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال:(( لأنه كان حريصا علي قتل صاحبه)) وكما منع الإسلام المسلم من قتل المسلم, منع المسلم من قتل نفسه, وجعل له عقوبة مماثلة لقاتله فيما لو قتله, فكما توعد القاتل بالنار, توعد أيضا قاتل نفسه بالنار; ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:(( من تردي من جبل, فقتل نفسه, فهو في نار جهنم يتردي فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسي سما, فقتل نفسه, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم, خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة, فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)). وعند البخاري عن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:(( الذي يخنق نفسه يخنقها في النار, والذي يطعن نفسه يطعنها في النار)), وعند البخاري ومسلم عن الحسن البصري قال: حدثنا جندب بن عبدالله قال:(( كان برجل جراح, فقتل نفسه, فقال: بدرني نفسه, فحرمت عليه الجنة)); أي: استعجل موته. ليس ذلك فحسب ولكننا نجد الإسلام ينهي عن ترويع المسلم: فكما نهي الإسلام نهيا قاطعا عن قتل المسلم, نهي أيضا عن ترويعه بسلاح أو غيره; فعن أبي هريرة قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم:(( من أشار علي أخيه بحديدة, لعنته الملائكة)), وفي رواية زاد فيه:(( وإن كان أخاه لأبيه وأمه)), وعن جابر قال: نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يتعاطي السيف مسلولا, وهو حسن, وعند الطبراني عن النعمان بن بشير قال: قال عليه الصلاة والسلام:(( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما). كما أنه لا يحل لمسلم أن يشيع الفوضي في بلده ويدمر أمنها واستقرارها ويعطل اقتصادها فمن يفعل ذلك خائن لدينه ولوطنه, والله ورسوله منه براء, فالإسلام دين المحبة والسماحة والسلام ويجب علي معتنقيه أن يكونوا كذلك أهل محبة وسماحة وسلام.