الجلد هو العقوبة التي تم توقيعها علي شاب وفتاة في إقليم أتشيه ذي الحكم الذاتي في إندونيسيا بعد أن شوهدا وهما يتبادلان القبلات في غابة منعزلة, فكان أن طبقت السلطات عليهما القانون الإسلامي المتبع في الإقليم. تبادل الشاب والفتاة القبلات في غابة منعزلة لكن عقوبة الجلد طبقت عليهما في وسط المدينة بحضور المئات من الناس. القائمون علي الحكم في أتشيه يتصورون أن في علنية العقوبة ردعا لمن تسول له نفسه مخالفة الشريعة. أنتقل بتفكيري إلي مصر, فأري في هذا تعارضا صريحا مع ما هو مستقر في ثقافتنا وعاداتنا من أولوية' الستر' علي' الردع'. المصريون يقدرون الفضيلة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الجنسين, وهم في هذا الصدد يتمسكون بنظام راق للقيم والفضائل. حماية الأسرة وقيمها وتماسكها وسلامتها هو منبع نظام الفضائل والأخلاق المصرية, ولهذا السبب يضع المصريون' الستر' في مكانة أعلي من' الردع'. العار الذي تجلبه العقوبة العلنية يجلب الشقاء ويتسبب في انهيار الأسر, وهذا ما يأباه المصريون. المصريون فيهم من الرحمة والمواءمة ما يجعلهم قادرين علي المواءمة بين الأخلاق والفضائل كقيم مجردة وميثاق لحياة الناس من ناحية, وبين الحياة اليومية لملايين من البشر فيهم من النواقص والاستعداد للوقوع في الخطأ ما هو جزء لا يتجزأ من طبيعتهم الإنسانية. الفضائل والأخلاق عند المصريين هي مصابيح ترشدهم لطريق الصواب, لكنها ليست قوانين حديدية صارمة لها القدرة علي تحويل ابن آدم الخطاء إلي ملاك نوراني لا يقترب من المعصية ولا ترد بخاطره. يوازن المصريون بين الفضيلة من ناحية, وحق الأسرة وسلامتها من ناحية أخري, فيفضلون النصيحة علي العقاب العلني, ويفضلون الضبط الاجتماعي في محيط العائلة علي التدخل السافر للسلطات في تربية الأبناء. التوبة وليس الردع هي اختيار المصريين, وهذه هي الوسطية التي تميزهم. ساحة المسجد في أتشيه تحولت إلي مكان لتوقيع العقوبة, وهو ما يختلف عن مفهوم المصريين للمسجد. المساجد في مصر أماكن للعبادة يتحرر فيها الناس من مشاغل الدنيا للتقرب إلي الله, وهي مراكز تشع الخير علي الجوار, فمنها تخرج المساعدات للمحتاجين, لكنها ليست أبدا ساحات للعقاب البدني. أعلم أن هناك في مصر من يريد أن يحول بلدنا إلي أفغانستان أو أتشيه أخري, لكني متأكد من أن ثقافتنا الأصيلة لديها من المناعة ما يكفي لوأد الفتنة.