وقف فخري محمود الرجل السبعيني أمام المشرحة وسط أبنائه الثلاثة يواسيهم ويواسونه علي فقدان زهرة الأسرة شيماء الفتاة الثلاثينية التي كانت تستقل السيارة الملاكي مع اقاربها وراحت ضحية الحادث. يجهش الأب في البكاء فيدنو منه ابناؤه ويربتون علي كتفه لمحاولة الشد من أزرئه, تشي ملامح الرجل العجوز بالصبر علي ما اصابه في فلذة كبده وما أن اقتربنا منه وقدمنا له التعازي حتي رفض أن يقبله وقال شيماءحاضرة بضحكتها وروحها المرحة, ثم أكمل حديثه وهو يكظم دموعه في مقلتيه.. ابنتي كانت طموحه وسط اشقائها عبد الرحمن ومحمد وآية فبعد أن تخرجت في كلية الحقوق اصرت علي الحصول علي دبلومه في جامعة الاسكندرية وكانت تذهب3 أيام في الاسبوع, وعندما كنت اطالبها بالاتجهد نفسها في السفر كنت ترد بأنها ترغب بأن تجعله يفخر بها وهي في مكان مرموق. تتشابك يدا الرجل العجوز لكتم الوجع في قلبه ويقول اضطررت شيماء للمبيت عند أقاربنا في الاسكندرية بعد ان تأخرت في العودة إلي دمنهور وعندما اشرف صباح اليوم الجديد اخبرتني شيماء انها ستعود مع أسرة الضابط أبوزيد عبد النبي نائب مأمور قسم الدلنجات وابنته ايمان وزوجها عبد المجيد عوض وابنتهما الطفلة جودي وحماة ابنته نجاح محمد. ويستكمل الأب المكلوم حديثه ويقول في الصباح دب القلق في قلبي لتأخر وصول شيماء حتي جاء الاتصال الحزين الذي اخبرني ان شيماء ومن كانت تستقل معهم السيارة اصيبوا في حادث تصادم فهرعت واشقاءها إلي المستشفي وكلنا أمل ان نجدها علي قيد الحياة لكن ما إن وطأت اقدامنا المستشفي حتي اخبرونا أن شيماء ومن معها تفحمت اجسادهم لاسقط واولادي من هول الفاجعة. يقطع حديثنا صوت عال من موظف المشرحة ينادي علي أقارب شيماء كي يدخلوا ليتعرفوا عليها وسط الجثث, فيترك الأب حديثه ويدخل إلي غرفة المشرحة وأولاده كي يستدلوا علي أي ملامح لفقيدتهم أو ما تبقي من ملابس علي جسدها, لحظات يخرج الأب من غرفة الموتي زائغ النظرات لايعلم مواضع قدمه ولا إلي أين يتجه فيسارع إليه شقيقيه عبد العزيز وسعيد يتساند عليهما وينهار أرضا وشفتيه تتمتم في خفوت أين ابنتي؟! ليصرخ عما الفتاة اللذان يقتربان من سن والدها ويقولان كانت وردة العائلة, تدخل البهجة علي كل من كانت تزوره. وفي نفس واحد يستكمل الشقيقان حديثهما ويقولان ماذا اقترف ابوها كي يصاب في ابنته وهو في أرذل العمر, ويطالبان بضرورة تعديل قوانين المرور حتي تكون رادعة لمن يخالفها ويحملان الحكومة مسئولين الكارثة من وزارة الداخلية في عدم تأمين الطرق السريعة ووزارة النقل في عدم وضع الاشارات المرورية والمحافظة بمسئوليها في عدم الاهتمام بفتحات الطرق والمطبات. وبينما يحاول الشقيقان تخفيف الوطأة علي شقيقهم الأكبر يصرخ هو بأعلي صوته وماذا يفيد بعد أن يهتموا بكل هذا.. هل سيعيد شيماء إلي أحضاني؟!