ما أغرب أن يكون رحم الإرهاب هو نفسه رمز الحرية128 عاما مضت علي افتتاح تمثال الحرية الذي يطل علي جزيرة الحرية الواقعة في خليج نيويورك حيث يبعد مسافة600 متر من مدينة جيرسي بولاية نيو جيرسي. ففي عام1869 قام فريدريك بارتولدي بتصميم نموذج مصغر لتمثال يمثل سيدة تحمل مشعلا وعرضه علي الخديوي إسماعيل ليتم وضع التمثال في مدخل قناة السويس التي كانت افتتحت حديثا في16 نوفمبر من هذا العام لكن الخديوي اعتذرعن عدم قبول اقتراح بارتولدي للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع حيث لم يكن لدي مصر السيولة اللازمة لمثل هذا المشروع خاصة بعد تكاليف حفر قناة السويس وحفل افتتاحها وفي هذا الوقت كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول شقيقة عبر البحار من أجل تأصيل أواصر الصداقة بها لذلك تم التفكير في إهداء الولاياتالمتحدةالأمريكية هذا التمثال في ذكري احتفالها بالذكري المئوية لإعلان الاستقلال في4 يوليو1876 حيث تم الاتفاق علي أن يتولي الفرنسيون تصميم التمثال بينما يتولي الأمريكيون تصميم القاعدة التي يستقر عليها التمثال وبدأت حملة ضخمة في كلا البلدين للتمويل اللازم لهذا المشروع الضخم ففي فرنسا كانت الضرائب ووسائل الترفيه التي يستخدمها المواطنون وكذلك اليانصيب هي الوسائل التي استطاعت من خلالهافرنسا توفير مبلغ تمويل التصميم والشحن إلي الولاياتالمتحدة أما الجانب الآخر من المحيط الاطلسي كانت المعارض الفنية و المسرحيات وسيلة الأمريكيين لتوفير الأموال لبناء قاعدة التمثال وكان يقود هذه الحملة السيناتور وعمدة نيويورك ويليام إيفارنز الذي أصبح وزير الخارجية الأمريكي فيما بعد إلا أنه لم يكن كل هذا كافيا فقام جوزيف بوليترز صاحب جائزة بوليترز بحملة من خلال الجريدة التي كان يصدرها تحت اسم العالم.. أما الشاعرة الأمريكية إيما لازاروس قامت بتأليف قصيدة التمثال الجديد في2 نوفمبر1883 غير أن هذه القصيدة لم تصبح مشهورة إلا بعد ذلك بسنوات وتوفرت الأموال اللازمة و قام المعماري الأمريكي ريتشارد موريس هنت بتصميم القاعدة وانتهي منها في اغسطس عام1885 ليتم وضع حجر الأساس في الخامس من الشهر نفسه وبعد ها بعام اكتملت أعمال بنائها في22 إبريل أما التمثال فقد برع الفنان الفرنسي فريدريك اوجست بارتولدي في تصميمه و لكن لم يكن في إمكاناته ان يبقي تمثالا بارتفاع خمسة عشر طابقا ووزنه125 طنا من النحاس واقفا في مكانه مدي الحياة ومقاوما لكل الظروف الجوية وكان لابد ان يجد مخرجا لهذا الموقف فلجأ إلي النحات الشهير أوجين ليماتويل وهو خبير في هذه الإنشاءات واقترح ان يملأ التمثال بالرمال ولكنه مات قبل أن ينفذ المشروع فعهد بفكرة التمثال إلي جوستاف إيفل وكان عمره في ذلك الوقت47 عاما ولم يكن شيد بعد اشهر برج في العالم وهو برج إيفل ولم يستحسن إيفل فكرة حشو التمثال بالرمال فهو لايحب الأوزان التي تتثبت بالأرض إنماعلي العكس يفضل كل ما يتصاعد في الفضاء, فبينما كان يلجأ الآخرون إلي الكتل المعدنية كان هو يفكر في تحويل المعادن إلي نسيج من الدانتيل ولإقامة تمثال من125 طنا فإن إيفل بكل بساطة ابتكر أول ناطحة سحاب عصرية بعد تماثيل قدماء المصريين وفي السنة الأولي صمم بارتولدي الذراع التي تحمل الشعلة وفي السنة الثانية صمم الرأس الذي نال إعجابا منقطع النظير عندما شاهده الآلاف في معرض دولي أقيم في باريس عام1878 وهكذا قطعة وراء قطعة بدأت معالم التمثال تتحدد وكانت من أهم العيوب التي اكتشفت في التمثال أن الهيكل المعدني لايتطابق مع الرسومات التي وضعها إيفل فقد تبين أن الرأس عند التركيب انحرفت مسافة أخري قدرت بنحو ثلاثين سنتيمترا نحو الذراع الحامل للشعلة وترتب علي ذلك أن أحد أطراف التاج أحدث ثقبا في الذراع وفي عام1884 تم تركيب التمثال في باريس للاطمئنان علي سلامة كل قطعة وتأكد أن كل شيء علي مايرام أعيد فكه من جديد ووضعت القطع في214 صندوقا وتم شحنها علي الباخرة الحربية( ايزر) التي وصلت إلي نيويورك في17 يونيو عام1885 مع رسالة تحمل هذه الكلمات( الحرية تغني) هدية من الشعب الفرنسي إلي الشعب الأمريكي و في بداية الأمر لم يكن الشعب الأمريكي متحمسا لهذه الهدية و لولا تدخل الصحفي الشهيرجوزيف ولترزرئيس تحرير صحيفة ذا وورلد ليبقي التمثال طويلا داخل الصناديق في البحر لحين الانتهاء من بناء قعدة التمثال وارتفاعها50 مترا ثم بدأت عملية التركيب تحت إشراف هيئة أمريكية وبدون ملاحظة من إيفل إذ كان وقتها في فرنسا يضع خطوط برج إيفل الشهيرو الذي بدأ في تثبيته في العام التالي. وفي عام1986 احتفل بالعيد المئوي لتمثال الحرية و استغرقت الاحتفالات أربعة أيام وسط جو من الحماسة الوطنية والدعاية لأسلوب الحياة الأمريكية وتمجيد الروح الأمريكية بعد عمليات إصلاح وترميم تمثال الحرية وتوافق تاريخ الاحتفال مع الاحتفال بعيد الاستقلال الامريكي فالتاريخ الحقيقي لعيد ميلاد التمثال هو28 اكتوبر1886 م.