أظلنا شهر أكتوبر الذي يسكن وجدان المصريين ويحتل عندهم مكانة متميزة تفرد بها عن باقي شهور السنة, كونه شهد استعادة الأرض التي اغتصبها العدو في غفلة ظنا منه أنه بات قاب قوسين أو أدني من تحقيق دولته من النهر الي البحر, فجاء أكتوبر ومعه انتفاضة المصريين علي جبهة القتال, في حرب الساعات الست التي كانت كافية لتأكيد بسالة المقاتل المصري, وانزال الهزيمة بالجيش الذي وصف نفسه بأنه لايقهر, ولم يصمد خط بارليف الحصين بعدما انتشر فوقه الجنود البواسل غير عابئين بما كان يحويه من قنابل ومتفجرات. ومنذ العام73, بات اكتوبر في موقع الصدارة عند المصريين يترقبون وصوله كل عام ليستعيدوا قصة الانتصار رافعين شعار بمصرنا نحتفل وبجيشنا نفاخر, لكن المصريين وبعد مرور41 عاما علي النصر المجيد وبعد العبور الثاني الذي تحقق باستعادة الوطن من يد الجماعة التي اختطفته في عام استثنائي لايحسب من عمر الوطن صاحب الحضارة الضاربة في الجذور, باتوا مطالبين أكثر من أي وقت مضي, للتوقف أمام نفحات اكتوبر العطرة, لنستلهم منها العبر والدروس ولنحقق نبوءة الرئيس البطل محمد انور السادات التي ذكرها في خطابه الشهير الذي ألقاه بعد العبور وتأكيد النصر واستعادة الأرض في الضفة الشرقية للقناة عندما قال( لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معا ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوما من أهم وأخطر, بل أعظم وأمجد أيام تاريخنا, وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكي نتفاخر ونتباهي, ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل, قصة الكفاح ومشاقه, مرارة الهزيمة وآلامها, وحلاوة النصر وآماله, نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه... وكيف حمل كل منا أمانته وأدي دوره, كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام, ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء) نعم نحن المصريين في حاجة لان نعيد قراءة هذه الفقرة لنتفكر ونتدبر ماكان من كفاح شارك فيه الجميع ممن تحملوا مرارة الهزيمة, حتي أدركوا النصر وتذوقوا حلاوته, وهاهي مصر تعيش ذات اللحظة من أجل استعادة وجه الوطن المشرق, الذي يتطلب الكثير من الجهد والعمل الجاد حتي يستطيع القيام بدوره الوطني والقومي علي الوجه الاكمل, وبما يليق به وبتاريخه وما قدر له ان يقوم به عبر التاريخ منذ عرفت الانسانية الدول والحضارات, فبالعمل تتحقق الاهداف لا بالفخر والتباهي. إذ مر ستة عشر شهرا علي ثورة يونيو المجيدة, تلك الثورة التي أبهرت العالم وأظهر المصريون من خلالها عبقريتهم كشعب يعشق بلده, ويرفض العبث بتاريخه أو معدنه الأصيل القائم علي التسامح والتعاون والإخاء, أو يغير عقيدة جيشه المدافع عن الارض والعرض, لكن الظرف العصيب الذي تمر به الامة العربية ومن بينها مصر حتي وان كانت اضرارها منه بفضل من الله- أقل من بعض شقيقاتها التي تعاني الدمار وتهجير المواطنين, الا اننا بحاجة لان يحمل كل منا امانته ويقوم بدوره كما سبق أن قام به الآباء والاجداد قبل41 عاما فكان لهم النصر الذي سعوا اليه بالعمل والعلم, فالخطر يحدق بنا من كل جانب وعلي الجميع ان يكون يقظا بما يمكنه من سد الثغرات التي قد ينفد منا الخطر ان تراخي القائمون عليها, علي الأسرة ان تقوم بدوها ومهامها وتحمل أمانتها في تربية ابنائها ليشبوا مواطنين صالحين يخدمون وطنهم وينتمون اليه لا الي كيانات او حركات او جماعات, وعلي المدرسة والجامعة ان تؤديا رسالتيهما في تشكيل وجدان النشء والشباب بالقيم والمبادئ وحب العلم وعلي المجتمع أن يحافظ علي تماسك نسيجه الوطني ويحض علي التسامح والمحبة والتعاون, وعلي الدولة ان تتحمل أمانتها في المساواة بين ابنائها في الحقوق والواجبات ليعلم الجميع ان جناح العدل يتسع ظله للجميع, وتتمسك بالكفاءة معيارا في اختيار الأشخاص للمناصب, وتدرك أن الوقت ليس فيه متسع للتجارب, لأننا لانملك رفاهيتها بحكم الظروف الضاغطة علي صاحب القرار من كل اتجاه, ونظرة علي احوال البلد او متابعة نشرة اخبار واحدة سنعرف اننا نمر بظرف صعب داخليا وخارجيا أفرزته فترة عصيبة, تحولت فيها البلاد الي حقل تجارب في كل شيء القوانين والدستور واللوائح والقرارات والاختيارات, كل ما يخص الوطن شهد تجارب أرجعته سنوات الي الوراء, وهو ما تحاول القيادة السياسية الآن ان تتجاوزه وتقفز منه الي حيث يجب ان يكون الوطن شامخا والمواطن آمنا مصانا, لكن القيادة السياسية وحدها لن تستطيع ان تلبي كل الطلبات وتحل كل المشكلات بين لحظة واخري وخصوصا ان هذه الطلبات والمشكلات ليست وليدة اليوم وتلبيتها تتطلب وقتا ومالا وقبلهما استقرارا, وعلي الجميع أن يشارك في الحل بالقيام بدوره وتحمل أمانته, اما ان يقف الجميع موقف المتفرج منتظرا ان تحقق الدولة مطالبه فهو أمر غير مقبول ولا ينتظر من وراءه سوي استمرار الوضع الذي يشكو منه. علي الجميع أن يضطلع بمهامه ويتحمل أمانته ويتحلي بالمسئولية, ان كان يتطلع لمستقبل أفضل لنفسه وأسرته ووطنه وأن يستلهم من نفحات أكتوبر73 ما يقوي عزيمته ويعينه علي تحقيق المعجزات.