من أعماق الزمن البعيد.. من مئات الملايين من السنين.. تأتي الجبال الراسيات الشامخات.. وهي تمر عبر الزمن مر السحاب.. تقطع الآفاق لتشهد لمن أرساها وجعلها أوتادا. .. وتعلن أن لو كانت مكلفة كالإنسان وتنزل عليها القرآن لكانت خاشعة متصدعة من خشية الله.. قال تعالي: {لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون(21)}, الحشر] وهذا شاهد قريب.. من أقرب ما يكون للإنسان... إنه من أعماقه.. إنه النطفة التي منها خلق الإنسان.. الخليفة المكرم.. خلقه الله في أحسن تقويم.. جاءت النطفة تشهد لخالقها وجاءت العلقة تشهد لخالقها جاءت المضغة تشهد لخالقها جاءت العظام تشهد لخالقها جاء اللحم الذي يكسو العظام يشهد لخالقه جاءوا جميعا ليشهدوا.. للقرآن بصدق ما جاء به.. جاءوا جميعا ليشهدوا.. لمحمد( صلي الله عليه وسلم) بصدق ما أخبر به.. قال تعالي: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين(12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين(13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين(14)}, المؤمنون] وهذه المفاصل جاءت تسعي لتشهد لمحمد( صلي الله عليه وسلم) بصدق ما أنبأ به وأخبر. عن عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قال إنه خلق كل إنسان من بني آدم علي ستين وثلاثمائة مفصل( مسلم). ومن هناك.. من العالم العلوي تأتي السماء في عظمتها لتشهد لخالقها.. الذي بناها سبعا شدادا وجعلها ذات بروج, وملأها حرسا شديدا وشبها, وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين. قال تعالي: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم(29)}, البقرة] ومن تحت أقدامنا صوت ينادينا.. من هذا التراب.. من الأرض التي أتت تشهد لخالقها.. بما أودع فيها من شواهد الحق وبراهين الإيمان.. وهذا الصدع الكبير الذي تنتهي إليه كل الصدوع الأخري.. قال تعالي: {والسماء ذات الرجع(11) والأرض ذات الصدع(12) إنه لقول فصل(13)}, الطارق] وأتت الأرض تشهد لخالقها بما استودع فيها من آيات القدرة وشواهد الحق.. قال تعالي: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها(27) رفع سمكها فسواها(28) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها(29) والأرض بعد ذلك دحاها(30) أخرج منها ماءها ومرعاها(31) والجبال أرساها(32) متاعا لكم ولأنعامكم(33)}, النازعات] وهذا غيض من فيض لكن.. سؤال يلح علي العقول ويتكرر من الخالق لكل صاحب عقل يتدبر. قال تعالي: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون(35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون(36)}, الطور] سؤال يتكرر ويلح علي العقول يوقظ به الخالق عقول البشر جميعا. قال تعالي: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون(17)}, النحل] سؤال يتكرر للإنسان.. الخليفه المكرم.. الذي سخر الخالق له ما في السموات وما في الأرض, وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه.. وكان هذا الكون ولم يكن للإنسان فيه ذكر, ولا وجود... فمن الذي جعل للإنسان ذكرا.. من الذي جعل للإنسان وجودا.. قال تعالي: {هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا(1) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا(2) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا(3)}, الإنسان] فيا أيها الإنسان.. ماالذي غرك وأنت قطرة من فيض جوده.. قال تعالي: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم(6) الذي خلقك فسواك فعدلك(7) في أي صورة ما شاء ركبك(8)}, الانفطار] فكيف تنكر أيها الإنسان حق الخالق عليك!! وما يعقلها إلا العالمون وما يذكرإلا أولو الألباب فاعتبروا يا أولي الأبصار.