الكلمة هي الشيء الوحيد صاحب النفوذ المطلق. هى المخلوق اللحظى المسموح له حرية التنقل دون جواز سفر. يقول علماء الكلام إن دور فمك لا يقتصر عند الحديث على التعبير فقط وأن لغة الشفاه قد تجعلنا قادرين على التحليل والاستنتاج وقراءة أفكار الآخرين أو توصيل ما نريد أن يعرفه الآخر عنا دون حتى أن ننبس ببنت شفة فالابتسامة مثلا قد تكون واحدة من أروع إشارات لغة الجسد. لكنها قد لا تعنى بالضرورة السعادة المطلقة فقد تكون تعبيرا عن سعادة زائفة، أو دليل سخرية، أو صدمة أو لؤم!. فى قاعة السينما بمركز الجزيرة للفنون التابع لقطاع الفنون التشكيلية وزارة الثقافة المصرية، أقيم حدث عالمى عنوانه "مائة ألف شاعر من أجل التغيير". فكرة الحدث أن يتجمع الشعراء 100 ألف شاعر فى معظم مدن العالم فى يوم واحد، تحت شعار واحد. كان هذا العام هو (السلام) فى ظل ما يموج به العالم من صراعات وقتل وتشريد ودماء هنا وهناك. الحدث عالميا بدأ فعالياته منذ عام 2011م وهذا هو العام الرابع له وأشرفت على تنفيذه بالقاهرة جماعة القاهرة الأدبية، من خلال جهود كل من: الكاتب محمد فرحات والفنان البصرى والشاعر حسام السواح. منظما الملتقى العالميان الشاعر الأمريكى "مايكل روتنبرغ" والإسبانية "تيرى كاريون" كان حلمهما هذا العام أن تكون الكلمة غصن زيتون يمتد عبر قارات العالم موصولا بأشعار مواهب شابة اجتمعت من كل صوب وحدب لتوصيل رسالة شديدة الوضوح بأن الكلمة مازالت هى السلاح الأقوى وأن لغة الجسد وتعبير الشفاه ستبقيان على الدوام لغة عالمية تخترق الحدود وتؤكد أن الموهبة مثل الحب تماما كلاهما له لغته الخاصة القادرة على اختراق أى حواجز أو مسافات. فى هذا الملتقى الذى شرفت بأن أكون ضيفا على منصته بجانب الكاتبة الدكتورة إيناس حسنى مديرة مركز الجزيرة للفنون، والناقد الكبير عصام زكريا، والكاتب والشاعر محمد فرحات اجتمعت الكلمة ولغة الجسد والموهبة فى آن فى حضور أكثر من 30 مبدعا من بينهم الشاعر المعروف سالم الشهبانى والشاعرة الدكتورة جيهان نجم بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، ممثلة لملتقى شعراء المستقبل والشاعر المتألق أحمد فرج صاحب ديوان "عيل عجوز" والشاعر الرقيق محمد شادى، بجانب كوكبة من أصحاب الموهبة كنت اتمنى ذكرهم فردا فردا الذين حضروا من أجل إيصال صوتهم والبحث عن موطئ قدم ونافذة يطلون عبرها بصوتهم الشعرى علّ هناك من يلتفت لموهبتهم على أرض مصر. ولعله من قبيل المصادفة أننى قلت فى مقالى فى هذا المكان قبل ثلاثة أسابيع إننا بحاجة إلى نهضة شاملة فى كل المجالات تعيد لمصر وجهها المشرق حضاريا وثقافيا. ذكرت أن المجتمع المصرى لم يعد كما كان شغوفا بالقراءة وأن اللغة العربية تتعرض لعملية تجريف منظم حتى أن معظم الألفاظ التى نتداولها فى الشارع الآن خاصة التى نسمعها من فئة الشباب تنذر بالكثير من الخطر بشأن الحفاظ على هويتنا العربية التى كنا كمصريين نعتز بها على الأقل على مستوى دول شمال إفريقيا. دار حديث طويل بينى وبين الدكتورة إيناس حسنى مدير مركز الجزيرة للفنون عن دور وزارة الثقافة تجاه إبراز هذه المواهب الواعدة وتذليل الطريق أمامهم لتوصيل أصواتها للمتلقى بالفعل كانت هناك أصوات واعدة وقصائد تخطف الآذان والقلوب من رقتها. من جانبى تساءلت عن دور وزارة الشباب ومن جانبها دافعت الدكتورة إيناس عن هذا الدور قالت ان يكون لهم منبر دائم دون حاجة لمبادرات وجهود فردية كالتى يقوم بها مشكورا مركز الجزيرة للفنون. من حقهم أن يجمع إبداعهم ديوان يتم تقديمه للجمهور بشكل جيد وأن يتم ذلك بشكل ممنهج على مستوى كل مديريات الثقافة ودور ومراكز الإبداع فى كل ربوع الوطن. فلو حدث ذلك ستعود مصر مثلما كانت عاصمة الفكر والثقافة والإبداع ليس على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فحسب بل على مستوى العالم بأسره، لو شعر الشباب بأن هناك من يرعى موهبته فى شتى المجالات سيختلف الأمر كثيرا. ستختفى كل الظواهر السلبية وستتوارى نبرات اليأس والإحباط وستعود لمصر قوتها الدافعة. وأختتم مقالى بمقولة الروائى الفرنسى مارسيل بروست صاحب الرواية الشهيرة "بحثا عن الزمن المفقود": إن رحلة الاستكشاف الحقيقية لا تستلزم الذهاب لأراض جديدة، بل تستلزم الرؤية بعيون جديدة.