لجان ترشيح المتقدمين لمنصب العميد بكليات ومعاهد جامعة القاهرة تنهي أعمالها    أسبوع الحسم، آخر مستجدات قانون الإيجار القديم    مدير الإغاثة الطبية بغزة: 17 ألف طفل يعانون من سوء تغذية شديد    تشكيل ليفربول المتوقع أمام ميلان    تجديد حبس سائق بتهمة سرقة 6 ملايين جنيه من مالك شركة يعمل بها بالعمرانية    الأرصاد تحذر من ذروة موجة حارة تضرب القاهرة    مطار مرسى علم يستقبل 184 رحلة من 15 دولة أوروبية الأسبوع الجاري    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    كيم جونج أون لجيشه: يجب الإستعداد ل«حرب حقيقية في أي وقت»    الكونجرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون مجاعة عقب الحصار الذي فرضه نتنياهو    قائمة الجامعات الأهلية المعتمدة في تنسيق 2025.. دليل شامل للطلاب الجدد    تنسيق 2025.. موعد المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة وأسماء الكليات المتاحة لكل شعبة (تصريحات خاصة)    أسعار الخضروات اليوم السبت 26 يوليو في سوق العبور للجملة    حالة المرور اليوم، سيولة مرورية نسبية وأحجام محدودة في محاور القاهرة الكبرى    تعرف شخصية ليلى زاهر في مسلسل وادي وبنت وشايب    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    توفيق الحكيم، كره المرأة بسبب هدى شعراوي وعبد الناصر كان يعتبره "الأب الروحي"    «لو ابنك بلع مياه من حمام السباحة؟».. خطوات فورية تحميه من التسمم والأمراض    «خبراء يحذرون»: لا تغلي «الشاي مع الحليب» لهذا السبب    «لماذا ينصح بتناول لحم الديك الرومي؟»... فوائد مذهلة لهذه الفئات    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    أبو حلاوة يا تين.. عم محمود أقدم بائع تين شوكى فى مصر عمره 65 سنة.. فيديو    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    «سبوتيفاي وأنغامي» يكشفان عن صاحب المركز الأول.. عمرو دياب أم تامر حسني؟    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    «هيسجل إمتى بعيدًا عن ضربات الجزاء؟».. تعليق مثير من الغندور بشأن زيزو مع الأهلي    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    بيان من المستشار القانوني لنقابة الموسيقيين للرد على الناقد طارق الشناوي بعد أزمة راغب علامة    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    حماس: لم نُبلغ بوجود أي إشكال بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ونستغرب تصريحات ترامب    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاكر عبد الحميد باحثا عن الغرابة في الفن

يحيي حقي وخيري شلبي وجاك نيكلسون ونيكول كيدمان وفان جوخ والأشباح القديمة
في أي مكان تسكن تلك اللحظات المتفجرة الابداع؟ في اي دائرة جهنمية دخل فان جوخ حين قطع أذنه ليقدمها لحبيبته أرسيولا؟ وأي روح شبحية سكنت قلوبنا حين توحدت مع أفلام الرعب وبحثت عن دراكيولا واستمتعت بمصاصي الدماء؟‏!‏
متي يصبح الفن علي هذا النحو من الغرائبية والجمال والمتعة؟ ومتي تصبح أرواحنا أكثر تصالحا مع الخوف؟‏!‏
هكذا تأخذك الحيرة وأنت تفتش داخل نفسك كلما قرأت صفحة من هذا الكتاب المهم الممتع الفن والغرابة للناقد والمبدع الكبير شاكر عبد الحميد الذي يحتاج صفحات مطولة من المديح الذي يستحقه لكننا دائما منشغلون عن العظماء الذين يعيشون بيننا وليس هناك داع لفتح هذا الملف المتشعب من عصر نجومية الأنصاف في كل شيء‏!.‏
الغرابة هي التي صنعت شخصية هاملت وجعلت منها نموذجا في دراسة النفس البشرية وانهياراتها وتصرفاتها غير المستقرة‏,‏ فجميعنا كان يشاهد هاملت يرتدي ثيابا سوداء تعكس كآبته‏..‏ وحزنه ومأساته التي يعيشها بعد موت والده المفاجئ وزواج أمه بعد أقل من شهر علي وفاة زوجها‏,‏ وكنا نتساءل مع شكسبير‏:‏ هل يمكن لشاب مثقف أن يقتل؟‏!‏ هل ينتقم لجريمة أبيه بارتكاب جريمة ثانية‏..‏ هل يصحح الخطأ بخطأ آخر‏..‏ وهل سيكون سعيدا بعد أن ينتقم؟‏!‏
لقد أخذته الحيرة إلي غياهب الذات ودفعه اليأس إلي الانغماس في التأملات الفلسفية فراح يفتح الغرف المغلقة داخل النفس ليسأل عن معني الوجود والعدم‏,‏ وهنا يصرخ كأنما يكتشف سر الحياة العبثي‏:‏ كل شيء ليس كما ينبغي‏,‏ ويظهر العالم الذي نعيش فيه غريبا وموحشا‏.‏ الغرابة في الفن إذن تتعلق بنوع من الشك وعدم اليقين والغموض أو الالتباس والريبة الملازمة للمكان والزمان وللتاريخ والوجود أيضا‏,‏ ومع تزايد الشكوك والافتقار إلي اليقين يقل الشعور بالأمان ويزداد الاحساس بالتهديد ويشعر الانسان انه غير قادر علي تمثيل العالم فيتجلي الخوف علي أنحاء شتي‏,‏ وقد يتصاعد ليصل إلي مرتبة الرعب فنتوحد مع مصاصي الدماء ونبحث عن مغامراتهم المذهلة‏,‏ وقد نهرب من الواقع ونذهب الي مستقبل أو ماض يؤكد وجودنا منفصلا عن الواقع‏.‏
فالغرابة مع هاملت أو دراكيولا هي نوع من الحضور يدل علي الغياب‏,‏ غياب عن الواقع وحضور مبالغ فيه لهاجس داخلي‏,‏ واستجابة لنداء بعيد يدفعنا إلي استدعاء قرين يسكن إحدي غرف النفس البشرية المتعددة وأحيانا تنبع الغرابة من شيء شديد الألفة وأكثر التصاقا بالذات‏,‏ فكثير من تصرفات البشر تظل مكبوتة ومسجونة في غرفة مظلمة وتظهر في اللاوعي‏,‏ وقد فاجأ فرويد العالم كله بأن الروائي الروسي العظيم ديستوفسكي صاحب الأخوة كارامازوف لم يكن فقط مهووسا بالمقامرة‏,‏ بل إن هذا الهوس كان هربا من الشعور بالذنب بسبب عقدة قتل الأب التي رأيناها في الأخوة كارامازوف‏,‏ وقدم فرويد دراسة أحدثت جدلا كبيرا حول روايتي المقامر والأخوة كارامازوف قال فيها‏:‏ إن نشر كتابات ديستوفسكي بعد وفاته‏,‏ ونشر يوميات زوجته‏,‏ ألقي ضوءا ساطعا علي حادثة مهمة في حياته‏,‏ أعني الفترة التي قضاها في المانيا‏,‏ حينما كان مدفوعا إلي هوس المقامرة وهذا الهوس نجده في اعمال عدة لدستوفسكي‏,‏ لكننا نجده بخاصة في رواية المقامر وينقل فرويد عن الكاتب قوله في إحدي رسائله‏:‏ أقسم ان التوق الي المال لا شأن له عندي بلعب القمار‏,‏ علي رغم ان الله نفسه يعلم كم انني في حاجة الي المال‏!‏ وهكذا يري سيجموند فرويد أن القمار كان بالنسبة الي الكاتب طريقة لمعاقبة الذات‏.‏
وقد وجد دانتي الليجيري نفسه في منتصف طريق حياته كأنما يسير في غابة مظلمة‏,‏ وكلنا قد يجد نفسه في تلك الغابة في لحظة أو فترة من حياته‏,‏ وكلنا قد يطارد أشباحا وأوهاما فلايجد سوي العتمة تحدق به وسوي السراب يخايله ويخاتله‏,‏ وكلنا يطارد أشباحه الخاصة‏:‏ مايفتقده مالايجده مايحلم به ويسعي للوصول إليه‏:‏
نحن المطاردين للاشباح لانستطيع التوقف عن أحلامنا الخاصة ومخاوفنا‏!‏
أحلامنا المبهجة‏,‏ وأشباح مخاوفنا وكوابيسنا المعتمة‏,‏ تتولد عنها رغبات في الفن يتولد عنها جنون مبدع وما روائع الفن التشكيلي وعبقرية السينما والكتابة سوي لحظات غرابة تعيشها النفس متوحدة مع عالم آخر‏,‏ واحيانا نجد الأشباح تسيطر علينا في صور جديدة فندخل نفس نفق دانتي المظلم لنبحث عن شبح جديد او حلم آخر‏.‏ وربما نبحث خلف اللوحات ووراء المشاعر والأفلام والمشاهد والصور‏.‏
من الهلاوس إلي الابداع
ما سر تلك اللحظة التي قطع فيها هذا الفنان أذنه؟‏!,‏ هل قطعها فعلا أم بترها جوجان صديقه الوحيد في نوبة من نوبات الجنون المتلاحقة بينهما؟
كيف وقف هذا الفنان العظيم ليرسم نفسه بعد الحادث في لوحة خالدة؟ هل دخل النفق المظلم الذي تحدث عنه دانتي؟‏!‏
الحياة القصيرة التي عاشها فان جوخ كانت خليطا عجيبا من الغرابة والعبث والجنون وقد تكون حبيبته أرسيولا سببا وقد يكون ارتباطه الشديد بشقيقه تيو سببا وربما كان مشروب الأبسنت الذي كان يدمنه بسبب نوبات الصرع والهلاوس التي تنتابه هو المتهم وقد تكون حالته النفسية وشعوره بالوحشة والوحدة المسئول عن ذلك لكنه في كل الأحوال ظل واحدا من اعظم فناني العالم بتلك اللوحة تحديدا‏.‏
عاش الهولندي فان جوخ تقلبات عديدة بعد الصدمة العاطفية مع أرسيولا وتدهورت حالته النفسية وانطوي علي نفسه وأصابته الكآبة فقرر تكريس حياته للخدمة الدينية التحق بمعهد ديني وعكف علي دراسة اللاهوت وقرر أن يعمل واعظا بين عمال المناجم والفلاحين في إحدي قري بلجيكا حيث عايش المرضي بحمي التيفود وحاول تخفيف آلام الاحتضار عليهم‏,‏ وسهر مع الفقراء والجرحي‏,‏ متخطيا بذلك الحدود المرسومة كمبعوث ديني إلي نوع من الامتزاج والتوحد الكلي‏,‏ حيث كان يقضي أيامه ولياليه بين هؤلاء بل ووزع عليهم ملابسه وأغطيته وأصبح يعاني من البرد والجوع‏,‏ وكانت الغرابة عنوانه وظلت لوحة الأذن المضمدة اختصارا لخلفيات متوحشة من الحب والقهر والحزن والمرض والغياب والفن‏.‏
وليست لوحة جوخ سوي نموذج لروائع الغربة والغرائبية التي رسم بها ميسرشمت تكشيرة في المرأة وهي مجموعة من المنحوتات والتماثيل النصفية التي سجل عليها حالاته النفسية والانفعالية المختلفة‏,‏ مع تجسيد العلاقات المتغيرة لعضلات الوجه الانساني خلال اداء وظائف‏:‏ التثاؤب والنوم الضحك الغضب ومن عجائب القدر أن تكون تلك التماثيل سببا في اعتراض أكاديمية فينا علي تعيينه استاذا للنحت وذهب المنصب إلي من هم أقل منه كفاءة وموهبة حيث اعتبروه مريضا‏!,‏ وقدم الكونت كاونتز رئيس الوزراء آنذاك تقريرا إلي الامبراطورة ماريا تيريز يوضح رأي الأكاديمية بخصوص عدم ترشيح ميسرشمت لهذا المنصب‏:‏ يمثل الاعتراض علي هذا الرجل في حقيقة انه أظهر وعبر ثلاث سنوات علامات الاضطراب لديه‏..‏ والاضطراب جعل الخيال سقيما لديه وجعله يتوهم أن الجميع اعداءه‏(!).‏ والقصة علي اختصارها تقدم جانبا من روح هذا الفنان العظيم الذي عاش وحشة وغربة وتوحدا مع عالم آخر تجسد في تماثيل تكشيرة في المرآة‏,‏ وهكذا صنع جيمس أسور وجورجيو كيريكو وأدفارد مونش وبيكاسو وسلفادور دالي روائع البهجة والكوابيس والأشباح‏.‏
وقد ترتبط الغرابة في الفن بالمضحك والفكاهي كما في عبث صمويل بيكيت حين كتب مسرحيته الخالدة في انتظار جودو فيتحول الانتظار من فعل عادي ومألوف إلي انتظار مالايجيء‏!‏
يحيي حقي وجاك نيكلسون
والغربة عن المكان وفي المكان أن يشعر الإنسان بانه مهدد وغريب حتي عن ذاته‏,‏ وليس فلاسفة الغرب فقط من توصلوا إلي تلك المعاني الفلسفية والغرائبية للنفس البشرية‏,‏ فقد عاش أبو حيان التوحيدي وأبوالعلاء المعري الاغتراب‏,‏ وقدم الجاحظ تعريفا عبقريا عن الوحشة والغرابة‏:‏ إذا استوحش الانسان تمثل له الشيء الصغير في صورة الكبير وارتاب وتفرق ذهنه فرأي مالايري وسمع مالايسمع وتوهم علي الشيء الحقير انه عظيم جليل‏.‏
وقد يصبح شاعرا فيصور الغيلان والسعلاة والوحوش البرية وقد قتلها أو لاعبها‏.‏
وقد يكون الغرائبي متعلقا بالمخيف المرعب كالموت وآكلي لحوم البشر أو مضاجعة الجثث كما رائعة رسائل الحائط الرطب للمبدع الكبير خيري شلبي أو في الفراش الشاغر للعم يحيي حقي‏.‏
أما التغريب فيكون مقصودا لكشف الواقع‏,‏ وذلك عبر حيل فنية تعتمد علي الإيهام او الإسقاط فقد كانت ردود أفعال الناس غريبة حين شاهدوا العرض السينمائي الأول في مقهي جراند كافيه في باريس حيث رجعوا مسرعين من صورة قطار يتقدم نحوهم من الشاشة‏!‏
وفي السينما تصل الغرائبية الي مداها مع رواية البريق لستيفن كنج‏,‏ فشخصية البطل التي جسدها العبقري جاك نيكلسون تعيش انهيارا نفسيا داخليا تماما كما تعيش أمريكا‏,‏ فقد عاش وعمل وتزوج وأنجب ومات‏,‏ لكنه عاد كأنما يجسد الانهيار النفسي من خلال دورات متتالية للقتل والأشباح‏.‏
يعمل الأب في فندق بعد فصله من العمل‏,‏ ووسط حالة كآبة عامة تعكسها طرقات المكان يتسلل البطل إلي ردهة طويلة ليلا فيسمع صوتا موسيقيا شجيا ويجد بشرا يأكلون ويشربون ويرقصون فيشترك معهم وتزدحم الذاكرة بأحداث قديمة عاشها الطفل مع أحداث مجزرة تقع بالفعل قتل فيها رواد الحفل بمن فيهم الطفل‏!,‏ وفي الآخرون تعيش نيكول كيدمان بطلة الفيلم حالة رعب متجدد وهي تحاول حماية أولادها الموتي من أشباح الماضي التي تحاصر الحياة‏.‏
شاكر عبدالحميد‏..‏ وكفي
يقدم شاكر عبدالحميد في هذا الكتاب‏600‏ صفحة من المتعة يتجول فيها بين الفنون‏,‏ ينقلك من بهجة الصورة إلي عبقرية الكلمات‏,‏ يتوقف مع الفلاسفة وعلماء النفس والفنانين التشكيليين والنحاتين‏,‏ يأخذك من فرويد إلي الجاحظ وشكسبير ومن صمويل بيكيت إلي يحيي حقي وخيري شلبي وسليمان فياض‏,‏ من نيكول كيدمان إلي سلفادور دالي‏,‏ ومن دريدا إلي أرسطو والمعري والتوحيدي‏,‏ ليصنع تحفة من الأرابيسك الثمين‏,‏ وإن كان شاكر عبدالحميد قدم أعمالا كبيرة من قبل إلا أن الفن والغرابة هو بالفعل أروع تجلياته في الفن والحياة‏,‏ حيث تنقل في لغة سهلة بين السينما والروايات والفن التشكيلي ومدارس التحليل النفسي والرؤي الفلسفية بحثا عن هذا الكائن الذي يسكن الروح‏,‏ بحثا عن تلك اللحظات الاستثنائية في الحياة‏.‏ وشاكر عبدالحميد نموذج استثنائي في الحياة الثقافية المصرية‏,‏ ليس فقط لما يمتلك من وعي معرفي موسوعي‏,‏ ومن دراسة متأنية للتراث العربي والآداب والفنون الأجنبية وفي لغتها الأصلية‏,‏ وليس أيضا لما يمتلك من صبر وجلد وعشق للفن بمعناه الواسع‏,‏ ولكنه ايضا استثنائي في جوانبه الإنسانية التي تجعله روحا شفافة تنعم برضا نفسي عظيم وأريحية تناسب مبدعا يعيش من أجل متعة الفن‏,‏ لايسعي شاكر عبدالحميد إلي منصب أو مكانة‏,‏ لايصارع من اجل جائزة ولايتودد رغبة في تخصيص مساحة في الصحف أو المجلات‏,‏ يكتفي بتقديم العلم والإبداع بعيدا عن الضجيج والتلوث‏,‏ وتكفي مكانته التي يحتلها في قلوب المثقفين المصريين العرب‏.‏
ومن قراءة الاهداء تستطيع أن تتعرف إلي جانب من شخصية المؤلف‏,‏ حيث يقدم الشكر لأصدقائه‏:‏ الراحل محمد عبدالسلام العمري‏,‏ والشاعر جرجس شكري والكاتب الصحفي اسامة الرحيمي والناشر محمد هاشم وصابر أحمد‏,‏ وإلي اسرته الصغيرة‏.‏ علي ماتحملته معي من جهد وصبر وغربة وغرابة في السلوك‏..‏ وأنا أقدم له الشكر علي متعة القراءة والمعرفة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.