من الخطأ الفاحش أن يتصور أحد أن الولاياتالمتحدة معنية فعلا بالتصدي للإرهاب في العالم وأن يتصور أنه من الممكن القضاء علي فكر باستخدام السلاح وحده. الحلف الذي تسعي الولاياتالمتحدة الي تجميع اطرافه وتوزيع الادوار عليها عنوانه محاربة تنظيم داعش في العراق أساسا ثم في سوريا بالتبعية. وداعش مجرد واحد من تنظيمات متعددة ترفع كلها راية الاسلام زورا وبالمنطق السليم فإن التصدي لتنظيم واحد دون التصدي للتنظيمات الاخري يعني في حال نجاحه قطع ذيل الحية دون رأسها. موجة الارهاب الموصوف بالاسلامي المعاصرة بدأت في اواخر سبعينيات القرن الماضي عندما غزا الاتحاد السوفييتي السابق أفغانستان مما مثل تهديدا للولايات المتحدة. رفعت واشنطن راية الاسلام بمثل ما رفع جنود معاوية المصاحف في القتال مع علي الذي وصف الامر بأنه مقالة حق يقصد بها باطل وانساقت الدول العربية وراء دعوة وادعاء واشنطن. ثم اختلف المجاهدون مع الولاياتالمتحدة ومع دولهم وتحولوا في إطار تنظيم القاعدة الي خطر يهدد واشنطن كما يهدد دولهم. كانت الارض في المنطقة العربية جاهزة بما فيها من دكتاتورية وفساد ومحسوبية وظلم وجهل بحقيقة صحيح الدين للتعاطف مع هؤلاء الذين يرددون آي الكتاب الحكيم ويتحدثون عن العدل. عندما وقعت أحداث سبتمبر2001 في الولاياتالمتحدة أصبحت الراية المرفوعة هي محاربة الارهاب في البلدان التي تري الولاياتالمتحدة ان لها مصلحة في التدخل فيها مثلما حدث في أفغانستانوالعراق مع غض الطرف عما كان يحدث في الصومال واليمن والسودان علي سبيل المثال في ذات الفترة. لكن الارهاب ليس كيانا محددا مجسما يمكن التعامل معه فلا هو دولة ولا هو جيش وإنما هو مجموعات من الافراد وهم ناس كالناس ليس مكتوبا علي جبهة كل منهم هذا إرهابي فاحذروه. كان حتما أن تفشل محاولات الولاياتالمتحدة في أفغانستان وفي العراق وليس مقدرا لها حظ أفضل في حلفها الجديد الذي هو تحت التكوين. السلاح وحده قد يكون قادرا علي إضعاف أصحاب الافكار لبعض الوقت قبل أن تبرز الي الوجود مرة أخري نفس التنظيمات أو تنظيمات مشابهة بمسميات أخري وتعود العجلة الي الدوران. ثمة حاجة الي أمرين متلازمين للتعامل مع أفكار تتسربل بعباءة الدين.. حرية فكر وعدالة اجتماعية. وليس كالإسلام دينا يدعو أتباعه الي التفكير والتدبر والتعقل والنظر والبصر والعلم وليس كمثله دين تمثل فيه العدالة الاجتماعية لحمته وسداه. وليس أسوأ من ممارسات المسلمين في التعامل مع هذه الاوامر الالهية وإضفاء قداسة علي الآراء الفقهية لبشر يجتهدون فيصيبون حينا ويخطئون حينا والخلط بين الشريعة وبين الفقه الذي هو اجتهاد بشري يصيب ويخطئ. البس الحكام ما اجتهدوا فيه او اجتهد فيه فقهاؤهم الذين صادفت اجتهاداتهم هوي لدي هؤلاء الحكام لباس الدين. يبرز الخليفة العباسي المأمون مثالا للتنوير والثقافة في تاريخ المسلمين لا يضاهيه مثال آخر. هذا الخليفة المتنور الذي نباهي به الأمم هو نفسه الذي استخدم العنف كل العنف في ارغام او محاولة ارغام الناس علي مجاراته في القول بخلق القرآن الذي قال به بعض فقهائه الي حد أصدار مرسوم لعماله في الولايات بأن يعيدوا امتحان العاملين في الدولة فمن وافق منهم علي أن القرآن مخلوق بقي في منصبه ومن قال بغير ذلك فصل وتعرض للتنكيل. ولعل قدر التعذيب الذي تعرض له الامام أحمد بن حنبل لرفضه الموافقة علي القول بخلق القرآن في عهد المأمون وعهد المعتصم يفسر بعضا من تشدده وتشدد من تابعوا مذهبه مثل ابن تيمية الذي سلك مسلكه محمد بن عبد الوهاب الذي اقتدي بأفكاره في عصرنا الحديث حسن البنا وأبو الأعلي المودودي وصولا الي سيد قطب واخيرا وليس آخرا الدواعش أيا كان المسمي القاعدة او النصرة او أنصار بيت المقدس أو أنصار الشريعة في ليبيا أو حركة النهضة في تونس او حركة الشباب في الصومال او بوكو حرام في نيجيريا. تواكب مع ذلك ما تحفل به كتب التاريخ عن فساد وبذخ وظلم العديد من الخلفاء من معاوية الي آخر سلاطين بني عثمان وليس انتهاء بأبي بكر البغدادي. بغير العدل والحرية سنظل نحرث في البحر.