فر عدى بن حاتم الطائى من جيش رسول الله (ص) الذى قبض على شقيقته فأكرم رسول الله (ص) وفادتها وأطلق سراحها لأنها ابنة حاتم الطائى أكرم العرب. فذهبت إلى شقيقها فقالت له هذا الرجل إما نبى كريم أو ملك عظيم ولن تضام فى الحالتين فأكرم وفادته وأجلسه على الوسادة وجلس النبي (ص) على الأرض وأحسن إليه. إنه إكرام ذوى الهيئات من الناس وإنزال الناس منازلهم. والعفو والصفح والتجاوز والتغافل. وأنا أرى أن الدولة المصرية منذ 25 يناير وحتى اليوم تحتاج إلى قراءة ودراسة وتطبيق مثل هذه المعاني. فبعد الثورة تمت إهانة كل رموز الدولة المصرية فى عهد مبارك. وأخذ العاطل على الباطل كما يقول العوام. وتم تعميم الأحكام صاحبها هوس جر الجميع إلى المحاكم والنيابات. ثم تكرر جزء من هذا الأمر فى عهد د. مرسي. فبدأت النيابات والمحاكم تستلم كل خصوم التيار الإسلامى واحدا ً بعد الآخر. واليوم نرى النيابات والمحاكم تستلم الإخوان دون تمييز وتقبض فى اتجاه واحد فقط. ولا تفرق بين الإخوانى الثائر وبين الذى يبلغ الثمانين. وبين السياسى والإرهابي. وبين الذى يقول رأيه. والذى يحمل المتفجرات. وبين كرام الناس وسوقتهم. لقد انتقلنا من مرحلة امسك فلول . إلى امسك شرطة . إلى امسك إخواني . فى تعميم بغيض. صاحبتها موجات من دعوات إسقاط الآخرين. فتارة يسقط مبارك وأعوانه . وتحرق مقرات الحزب الوطني. وتارة تسقط الشرطة . وتحاصر وتحرق أقسامها ومقراتها وسياراتها. وتارة يسقط حكم العسكر وتحاصر وزارة الدفاع لأول مرة فى تاريخ مصر. وكأنهم ليسوا من أبناء مصر. وتارة يسقط المرشد والإخوان وتحرق مقراتهم وأحزابهم. وكأنهم ليسوا من أبناء مصر. وتارة يسقط الإعلام وتحاصر مدينة الإنتاج. وتارة يسقط المسيحيين الذين أيدوا 30 يونيه. فتحرق 63 كنيسة فى يوم واحد. وكأن المسيحيون ليسوا من أبناء الوطن. وكأنهم هم الذين عزلوا د. مرسى حقا ً. تليها دعوات لحرق الأقسام والنيابات والمحافظات فيحرق فى يوم واحد 200 قسم شرطة. وكأن الشعب المصرى نسى أن حرق الأقسام فى 25 يناير أدى إلى أكبر انهيار أمنى فى تاريخ مصر. ولولا بقاء الجيش ومساندته لما تبقى من الشرطة لتفككت مصر كلها. وهكذا ننتقل فى كل يوم من تحريض إلى تحريض. ومن حرق إلى آخر ومن استعداء فصيل إلى فصيل آخر لنعيش هكذا فى كراهية متواصلة. ولولا تماسك الدولة الآن وعزمها على البناء لضاع كل شيء. والأزمة كلها تكمن فى التعميم المخل والمضل تجاه فصيل أو آخر. فاليوم يتم تعميم الأحكام دون تبصر على الإخوان من خصومهم. وفى المقابل يتم تكفير الجيش والشرطة ظلما ً ودون حق من قبل التكفيريين وما أكثرهم فى هذه الأيام. فهل نعشق الإقصاء وتدمير الآخر بغير تبصر ولا حكمة ولا روية؟ إن حبس المرشد السابق - مهدى عاكف احتياطيا ً وقد جاوز الثمانين لا يليق بمصر الكبيرة. فالحبس الاحتياطى لمن يخشى هروبه. وهذا لا يستطيع حتى التنفس. فماذا لو مات هذا الرجل فى السجن؟!. ستكون مادة خاما لكل خصوم الدولة المصرية للتشنيع عليها. إن مبارك الذى يصفه الجميع بالظلم والعسف كان يضع المرشد كخط أحمر لا يتجاوزه لسنه ومكانته وحتى لا يخلق عداوات هو فى غنى عنها. وهل يليق أن نقبض على أمثال السفير الطهطاوي. فلا نعير سنه ولا مكانته السياسية وفضل أجداده على مصر اهتماما ً. أو تنشر أخبار سخيفة عن استدعاء المستشار مكى للنيابة أو إحضاره للشهادة عنوة. ناسين فضله وأدبه وعطاءه. ولم يكن هناك داع ً للقبض أساسا ً على د. هشام قنديل من أجل أشياء اقترف أمثاله فى عصور سابقة ما هو أفظع وأشنع منها دون حساب. ثم يطلق سراحه. وكذلك د. سعد الكتاتنى وحلمى الجزار وهما معروفان بالإنصاف والتعقل. ولم يكن من المناسب منع وزير العدل الأسبق أيام الإخوان من السفر. ولم يكن من المناسب الحكم على ألف واحد بالإعدام فى محكمة جنايات المنيا ليتم استغلال هذا الحكم بأشنع صورة فى تشويه مصر وسمعتها. مع أن الحكم انتهى إلى 13 حالة إعدام سيلغى معظمهم فى النقض. فما الداعى لهذا الرقم المخيف 1000 واحد إعدام؟!. ثم ينتهى الأمر إلى لا شيء. وكذلك الحكم على الفتيات الصغيرات بأحكام قاسية تهيج الدنيا على مصر كلها وتكون مادة خاما صالحة للمكفرين والمفجرين والمتظاهرين. ثم بعدها بشهر أو شهرين تلغى الأحكام ويذهبون إلى بيوتهم بعد أن تحصد مصر كل الآثار السيئة. فلا تكسب من الحكم ولا تحمد عند العفو. إن التفريق بين السياسى والإرهابى. وبين كبار القوم وشبابهم. وبين الأخرق والحكيم. وصاحب خطاب الحرب ودعاة السلام والمصالحة. وبين القبض على الشاب المتظاهر والفتاة. وبين وبين وبين فى غاية الأهمية. أما أن يكون الكل سواء فهذه فوضى لا تليق بدولة كبرى مثل مصر. يا قوم: علينا أن نستعير الحكمة من أهل اليمن الذين إذا لم يعجبهم مدرس مصرى تركوه إلى آخر العام ثم لم يستدعوه مرة أخرى مراعاة لمشاعره وأسرته وزملائه. ولكننا ندمر مشاعر وأحاسيس وأقدار كل ذوى القدر منا. كل منا يقصى الآخر ويحطمه. وينتقم منه أو يسجنه أو يفجره. فهل هذا هو حصاد ثورات الربيع المصري. أم أن ربيعنا تحول إلى خريف على أيدينا؟! يا قوم: أكرموا كريم القوم. وارحموا عزيز قوم ذل بينكم. وأقيلوا ذوى الهيئات من عثراتهم. أم أن مصر لم تسمع بعد بهذه القواعد الإسلامية الرائعة.