في كتاب جديد ومثير, تؤكد المؤرخة الأمريكية جاريث بورتر أن اتهامات الولاياتالمتحدة وإسرائيل لإيران بشأن مخاطر برنامجها النووي مبنية علي أدلة ملفقة. بورتر المؤرخة الأمريكية والباحثة المتخصصة في الأمن القومي الأمريكي, توضح في كتابها( الأزمة المصطنعة: القصة غير المروية من الخوف النووي) كيف أن البرنامج النووي الإيراني لايطابق المخاطر التي أصبحت أمرا شائعا في الخطاب العام الإسرائيلي. وبورتر.. كما ذكرت صحيفة( هارتس) الإسرائيلية خلال عرضها لكتاب هي الباحثة التي قرأت بعين غير متحيزة جميع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول إيران منذ العقد الماضي, كما كان لديها فرصة للحصول علي تقارير المخابرات الأمريكية بشأن القضية الإيرانية خلال العقود الأخيرة, وبالإضافة إلي ذلك قابلت بورتر أجيالا من المسئولين الأمريكيين وحللت شهادة كبار المسئولين أمام الكونجرس الأمريكي. والنتيجة هي كتاب مفصل جدا وموثق جيدا لجميع المهتمين بفهم كيف وصلنا إلي الأزمة النووية الإيرانية, و سيناريوهات الهجوم, واختراع الحقائق والتقارير الاستخباراتية التي تم تجهيزها لدعم الأفكار المسبقة لاتهام إيران بتطوير أسلحة نووية. ووفقا لبورتر, كانت هناك أجندة سياسية خفية من جانب صناع القرار في الولاياتالمتحدة ثم دخلت إسرائيل في الصورة, مما أدي إلي صناعة الأزمة النووية الايرانية. تبدأ القصة مع دعم الولاياتالمتحدة للعراقيين خلال الثمانينيات خلال الحرب العراقية الإيرانية, والنقطة الحرجة تأتي مع انهيار الامبراطورية السوفيتية, ومن هنا لم تجد المخابرات الأمريكية مبررا لوجودها عقب انتهاء الحرب الباردة, وكان الحل الذي توصل الأمريكيون إليه لمواصلة دعم المخابرات الأمريكية بميزانية هائلة اختراع تهديد جديد من خلال دمج أسلحة الدمار الشامل وهو مصطلح غامض في حد ذاته مع الإرهاب, وقدمت إيران التي ارتفعت إلي أعلي القائمة في منطقة الشرق الأوسط عقب سقوط بغداد التهديد الذي أنقذ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجعل هناك مبررا لوجودها. وعزز ذلك المحافظون الجدد بقيادة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وبول وولفويتز وجون بولتون, الذين شنوا حملة لنزع الشرعية عن الجمهورية الإسلامية بهدف إسقاط النظام الإيراني. الكتاب يؤكد أن سياسات الولاياتالمتحدة وإسرائيل تجاه إيران مستمدة من مصالحهما السياسية والتنظيمية, وليس بالضرورة من خلال تحليل واقعي دقيق للبرنامج النووي الإيراني الذي كان يخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وذكرت المؤلفة أن واشنطن وصناع السياسة الإسرائيليين لم يبذلوا أي تحليل منهجي بشأن أهداف البرنامج النووي الإيراني, أو مجرد التفكير في سؤال مفاده: لماذا تنطبق كل التصريحات الرسمية الإيرانية حول هذا الموضوع مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟, إلي جانب عدم إثبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران تهرع نحو إنتاج قنبلة نووية من خلال أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية. ويكشف الكتاب المحاولات الأمريكية والإسرائيلية علي مدي السنوات ال10 الماضية لمنع إيران من تطوير برنامج نووي غير عسكري, علي الرغم من أن هذا البرنامج مسموح به تحت معاهدة حظر الانتشار النووي. وتكشف المؤلفة الأمريكية أسرار تدخل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان, وذلك اعتبارا من عام1983, للضغط علي ألمانيا وفرنسا لرفض التعاون مع إيران في استكمال مفاعل بوشهر النووي. وتشير إلي أن رفض توفير اليورانيوم المخصب كوقود لمفاعل بوشهر كان يعني أن إيران لديها أحد حلين إما أن تتخلي عن حقوقها النووية بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي تماما أو أن تذهب إلي السوق السوداء في تحد لسياسة الولاياتالمتحدة للحصول علي قدرات تخصيب مستقلة خاصة بها. وأكدت بورتر أن هناك افتراءات وهي خطأ جوهري في سلسلة من الدراسات التي تصور الجهود الإيرانية الرامية إلي دمج سلاح نووي في صاروخ( شهاب3) المتوسط المدي الإيراني لتبرير استخدام القوة العسكرية ضد إيران, وتشير المؤلفة إلي أن الوثائق التي تتعلق بذلك تم تلفيقها من جانب إسرائيل بالأساس. وأشارت إلي أنه حتي بالنسبة لمفاعل إيران النووي( أراك) الذي يعمل بالماء الثقيل فإن نقطة الضعف الرئيسية في الحجة القائلة بأن( أراك) هو مخطط إيراني لمسار البلوتونيوم نحو إنتاج سلاح نووي هي أن طهران وافقت بالفعل علي ترتيبات مع الدول الكبري يتم بموجبها منعها من الحفاظ علي السيطرة علي إنتاج البلوتونيوم في المفاعل. وتوضح أن العقبة الرئيسية أمام عودة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية إلي مسارها الطبيعي بعد التوصل لاتفاق فيينا لتحجيم البرنامج النووي الإيراني اكتسابها شعبية في الشارع العربي السني من خلال عدائها لتل أبيب, كما أن اسرائيل تنظر طوال الوقت لإيران بعين الريبة خاصة مع دعمها لجماعات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وأبرزها حزب الله الشيعي في لبنان وحركة حماس في فلسطين من خلال مدهما بالصواريخ والأسلحة التي جعلت المقاومة ضد تل أبيب أمرا ممكنا حتي الآن.